179
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

فَيُعَذِّبُهُ اللّهُ كَما يُعَذِّبُكُم .
إنَّ مِن ذُلِّ المُسلِمينَ وهَلاكِ الدّينِ أنَّ ابنَ أبي سُفيانَ يَدعُو الأَراذِلَ وَالأَشرارَ فَيُجابُ ، وأدعوكُم وأنتُمُ الأَفضَلونَ الأَخيارُ فَتُراوِغونَ وتُدافِعونَ ، ما هذا بِفِعلِ المُتَّقينَ ، إنَّ بُسرَ بنَ أبي أرطاةَ وَجَّهَ إلَى الحِجازِ ، وما بُسرٌ ؟ ! لَعَنَهُ اللّهُ ، لِيَنتَدِب إلَيهِ مِنكُم عِصابَةٌ حَتّى تَرُدّوهُ عَن شَنَّتِهِ ، فَإِنَّما خَرَجَ في سِتِّمِئَةٍ أو يَزيدونَ .
قالَ : فَسَكَتَ النّاسُ مَلِيّا لا يَنطِقونَ ، فَقالَ : ما لَكُم أ مُخرَسونَ أنتُم لا تَتَكَلَّمونَ ؟
فَذَكَرَ عَنِ الحارِثِ بنِ حَصيرةَ عَن مُسافِرِ بنِ عَفيفٍ قالَ : قامَ أبو بُردَةَ بنُ عَوفٍ الأَزدِيُّ فَقالَ : إن سِرتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ سِرنا مَعَكَ ، فَقالَ : اللّهُمَّ ما لَكُم ؟ لا سُدِّدتُم لِمَقالِ الرُّشدِ ، أ في مِثلِ هذا يَنبَغي لي أن أخرُجَ ؟ ! إنَّما يَخرُجُ في مِثلِ هذا رَجُلٌ مِمَّن تَرضَونَ مِن فُرسانِكُم وشُجعانِكُم ، ولا يَنبَغي لي أن أدَعَ الجُندَ وَالمِصرَ ، وبَيتَ المالِ ، وجِبايَةَ الأَرضِ ، وَالقَضاءَ بَينَ المُسلِمينَ ، وَالنَّظَرَ في حُقوقِ النّاسِ ، ثُمَّ أخرُجَ في كَتيبةٍ أتبَعُ اُخرى فِي الفَلَواتِ وشَعَفِ الجِبالِ ، هذا وَاللّهِ الرَّأيُ السّوءُ ، وَاللّهِ لَولا رَجائي عِندَ لِقائِهِم ، لَو قَد حُمَّ لي لِقاؤُهُم ، لَقَرَّبتُ رِكابي ثُمَّ لَشَخَصتُ عَنكُم فَلا أطلُبُكُم مَا اختَلَفَ جَنوبٌ وشَمالٌ ، فَوَاللّهِ إنَّ في فِراقِكُم لَراحَةً لِلنَّفسِ وَالبَدَنِ .
فَقامَ إلَيهِ جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ السَّعدِيُّ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ لا أعدَمَنَا اللّهُ نَفسَكَ ، ولا أرانَا اللّهُ فِراقَكَ ، أنَا لِهؤُلاءِ القَومِ ، فَسَرِّحني إلَيهِم ، قالَ : فَتَجَهَّز ؛ فَإِنَّكَ ما عَلِمتُ مَيمونُ النَّقيبَةِ . وقامَ إلَيهِ وَهَبُ بنُ مَسعودٍ الخَثعَمِيُّ ، فَقالَ : أنَا أنتَدِبُ إلَيهِم يا أميرَ المُؤمِنينَ ! قالَ : فَانتَدِب بارَكَ اللّهُ فيكَ ، ونَزَلَ ۱ .

1.الغارات : ج۲ ص۶۲۴ ، الإرشاد : ج۱ ص۲۷۲ ؛ أنساب الأشراف : ج۳ ص۲۱۵ كلاهما نحوه وليس فيهما من «إنّ بسر بن أبي أرطاة . . .» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
178

هَمَمتُ أن أخرُجَ عَنكُم فَلا أطلُبُ بِنَصرِكُم مَا اختَلَفَ الجَديدانِ .
فَقامَ جارِيَةُ بنُ قُدامَةَ ، فَقالَ : أنَا أكفيكَهُم يا أميرَ المُؤمِنينَ ، فَقالَ : أنتَ لَعَمري لَمَيمونُ النَّقيبَةِ ، حَسَنُ النِّيَّةِ ، صالِحُ العَشيرَةِ . ونَدَبَ مَعَهُ ألفَينِ ، وقالَ بَعضُهُم : ألفا .
وأمَرَهُ أن يَأتِيَ البَصرَةَ فَيَضُمَّ إلَيهِ مِثلُهُم ، فَشَخصَ جارِيَةُ وخَرَجَ مَعَهُ يُشَيِّعُهُ ، فَلَمّا وَدَّعَهُ قالَ : اِتَّقِ اللّهَ الَّذي إلَيهِ تَصيرُ ، ولا تَحتَقِر مُسلِما ولا مُعاهَدا ، ولا تَغصِبَنَّ مالاً ولا وَلَدا ولا دابَّةً وإن حَفيتَ وتَرَجَّلتَ ، وصَلِّ الصَّلاةَ لِوَقتِها .
فَقَدِمَ جارِيَةُ البَصرَةَ فَضَمَّ إلَيهِ مِثلُ الَّذي مَعَهُ ثُمَّ أخَذَ طَريقَ الحِجازِ حَتّى قَدِمَ اليَمَنَ ، لَم يَغصِب أحَدا ، ولَم يَقتُل أحَدا إلّا قَوما ارتَدّوا بِاليَمَنِ ، فَقَتَلَهُم وحَرَّقَهُم ، وسَأَلَ عَن طَريقِ بُسرٍ ، فَقالوا : أخَذَ عَلى بِلادِ بَني تَميمٍ ، فَقالَ : أخَذَ في دِيارِ قَومٍ يَمنَعونَ أنفُسَهُم ، فَانصَرَفَ جارِيَةُ فَأَقامَ بِجُرَشَ ۱۲ .

۲۸۶۴.الغارات عن أبي ودّاك الشاذي :قَدِمَ زُرارَةُ بنُ قَيسٍ الشّاذي فَخَبَّرَ عَلِيّا عليه السلام بِالعِدَّةِ الَّتي خَرَجَ فيها بُسرٌ ، فَصَعِدَ المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيِه ، ثُمَّ قالَ :
أمّا بَعدُ ؛ أيُّهَا النّاسُ ! فَإِنَّ أوَّلَ فُرقَتِكُم وبَدءِ نَقصِكُم ذَهابُ اُولِي النُّهى وأهلِ الرَّأيِ مِنكُمُ ، الَّذينَ كانوا يُلقَونَ فَيُصَدِّقونَ ، ويَقولونَ فَيَعدِلونَ ، ويُدعَونَ فَيُجيبونَ ، وأنَا وَاللّهِ قَد دَعَوتُكُم عَودا وبَدءا وسِرّا وجِهارا ، وفِي اللَّيلِ وَالنَّهارِ وَالغُدُوِّ وَالآصالِ ، فَما يَزيدُكُم دُعائي إلّا فِرارا وإدبارا ، أ ما تَنفَعُكُمُ العِظَةُ وَالدُّعاءُ إلَى الهُدى وَالحِكمَةِ ، وإنّي لَعالِمٌ بِما يُصلِحُكُم ويُقيمُ أوَدَكُم ، ولكِنّي وَاللّهِ لا اُصلِحُكُم بِإِفسادِ نَفسي ، ولكِن أمهِلوني قَليلاً ، فَكَأَنَّكُم وَاللّهِ بِامرِئٍ قَد جاءَكُم يَحرِمُكُم ويُعَذِّبُكُم

1.جُرَش : من مخاليف اليمن من جهة مكّة (معجم البلدان : ج۲ ص۱۲۶) . فتحها رسول اللّه صلى الله عليه و آله صلحا سنة ۱۰ ه ، وهي اليوم من مدن الحجاز .

2.الغارات : ج۲ ص۶۲۲ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 115979
صفحه از 684
پرینت  ارسال به