يطيق سماع تحليله المتوجّع للوضع القائم ـ تراه أخذ بيده ، وصار به إلى الصحراء ، وبالحزن الممزوج بالألم أشار إليه أنّه لا يستطيع أن يتحدّث بهذا الكلام لكلّ أحد ؛ لعدم قدرة الجميع على تحمّله ، وأنّه كلما حظي الإنسان بقاعدة فكريّة أكبر واُفق معنوي أوسع ، كان ذا قيمة أكثر ، ثمّ بعد ذلك حدّثه بسرّ انفضاض الناس عن نهجه ، وانكفائهم عنه ، وتنكّبهم عن برنامجه الإصلاحي ، حيث ذكر له أنّ المشكلة الأساسيّة في ذلك تعود إلى جهل الناس ، واتّباعهم الأعمى للخواصّ ممن هو خائن أو جاهل .
صراحة أكثر في بيان الانحراف
تناول الإمام في حديث خاصّ مشكلاته مع الناس بصراحة أكثر ، ففي هذا الحديث ـ الذي أدلى به الإمام إلى عائلته وعدد من خواصّه ـ أوضح أين تكمن جذور الفتنة ، ولماذا ابتلي المجتمع الإسلامي بالفرقة والاختلاف على عهده ، ولماذا لم يستطِع تنفيذ برنامجه لإصلاح المجتمع وإعادته إلى سيرة النبي صلى الله عليه و آله وسنّته ، وأخيراً لماذا لم ينهض الجمهور لتأييد سياسته والدفاع عنها .
لقد بدأ أمير المؤمنين عليه السلام كلامه ـ في المجلس المذكور ـ بالحديث النبوي التالي : «ألا إنَّ أخوَفَ ما أخافُ عَلَيكُم خُلَّتانِ : اتِّباعُ الهَوى ، وطولُ الأَمَلِ» . ۱
وهكذا تتبدّل الأهواء والأنانيات إلى بدعٍ ضدّ الدين ، لكنّها متلبّسة بدثار