الفصل الثالث: التآمر في اغتيال الإمام
۲۹۱۸.الإرشاد عن أبي مخنف لوط بن يحيى وإسماعيل بن راشد وأبي هشام الرفاعي وأبي عمرو الثقفي وغيرهم :إنَّ نَفَرا مِن الخَوارِجِ اجتَمَعوا بِمَكَّةَ ، فَتَذاكَرُوا الاُمَراءَ ، فَعابوهُم وعابوا أعمالَهُم عَلَيهِم ، وذَكَروا أهلَ النَّهروانِ وتَرَحَّموا عَلَيهِم ، فَقالَ بَعضُهُم لِبَعضٍ : لَو أنّا شَرَينا أنفُسَنا للّهِِ ، فَأَتَينا أئِمَّةَ الضَّلالِ ، فَطَلَبنا غِرَّتَهُم ۱ ، فَأَرَحنا مِنهُمُ العِبادَ وَالبِلادَ ، وثَأَرنا بِإِخوانِنا لِلشُّهَداءِ بِالنَّهرَوانِ .
فَتَعاهَدوا عِندَانقِضاءِ الحَجِّ عَلى ذلِكَ ، فَقالَ عَبدُ الرَّحمنِ بنُ مُلجَمٍ : أنَا أكفيكُم عَلِيّا ، وقالَ البَرَكُ بنُ عَبدِ اللّهِ التَّميمِيُّ : أنَا أكفيكُم مُعاوِيَةَ ، وقالَ عَمرُو بنُ بَكرٍ التَّميمِيُّ : أنَا أكفيكُم عَمرَو بنَ العاصِ ، وتَعاقَدوا عَلى ذلِكَ ، وتَوافَقوا عَلَيهِ وعَلَى الوَفاءِ ، وَاتَّعَدوا لِشَهرِ رَمَضانَ في لَيلَةِ تِسعَ عَشَرَةَ ، ثُمَّ تَفَرَّقوا ۲ .
1.الغِرَّةُ : الغَفْلة (النهاية : ج۳ ص۳۵۴) .
2.وأمّا الرجلان اللذان كانا مع ابن ملجم لعنهم اللّه أجمعين في العقد على قتل معاوية وعمرو بن العاص ، فإنّ أحدهما ضرب معاوية وهو راكع فوقعت ضربته في أليته ونجا منها ، فاُخذ وقُتل من وقته .
وأمّا الآخر ؛ فإنّه وافى عَمْرا في تلك الليلة وقد وجد علّة فاستخلف رجلاً يصلّي بالناس يقال له : خارجة بن أبي حبيبة العامري ، فضربه بسيفه وهو يظنّ أنّه عمرو ، فاُخذ واُتي به عمرو فقتله ، ومات خارجة في اليوم الثاني (الإرشاد : ج۱ ص۲۲ ، إعلام الورى : ج ۱ ص۳۹۱ ، المناقب لابن شهر آشوب : ج۳ ص۳۱۳ نحوه) .
وفي تاريخ الطبري عن إسماعيل بن راشد : أمّا البرك بن عبد اللّه فإنّه في تلك الليلة التي ضرب فيها عليّ قعد لمعاوية ، فلمّا خرج ليصلّي الغداة شدّ عليه بسيفه ، فوقع السيف في أليته ، فاُخذ ، فقال : إنّ عندي خيرا اُسرّك به ، فإن أخبرتك فنافعي ذلك عندك ؟ قال : نعم ، قال : إنّ أخا لي قتل عليّا في مثل هذه الليلة ، قال : فلعلّه لم يقدر على ذلك ! قال : بلى ، إنّ عليّا يخرج ليس معه من يحرسه ، فأمر به معاوية فقتل ، وبعث معاوية إلى الساعدي ـ وكان طبيبا ـ فلمّا نظر إليه قال : اختر إحدى خصلتين : إمّا أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف ، وإمّا أن أسقيك شربة تقطع منك الولد ، وتبرأ منها ، فإنّ ضربتك مسمومة ، فقال معاوية : أمّا النار فلا صبر لي عليها ، وأمّا انقطاع الولد فإنّ في يزيد وعبد اللّه ما تقرّ به عيني . فسقاه تلك الشربة فبرأ ، ولم يولد له بعدها ، وأمر معاوية عند ذلك بالمقصورات وحرس الليل وقيام الشرطة على رأسه إذا سجد .
وأمّا عمرو بن بكر فجلس لعمرو بن العاص تلك الليلة ، فلم يخرج ، وكان اشتكى بطنه ، فأمر خارجة بن حذافة ، وكان صاحب شرطته ، وكان من بني عامر بن لؤي ، فخرج ليصلّي ، فشدّ عليه وهو يرى أنّه عمرو ، فضربه فقتله ، فأخذه الناس ، فانطلقوا به إلى عمرو يسلّمون عليه بالإمرة ، فقال : من هذا ؟ قالوا : عمرو ، قال : فمن قتلت ؟ قالوا : خارجة بن حذافة ، قال : أما واللّه يا فاسق ما ظننته غيرك ، فقال عمرو : أردتني وأراد اللّه خارجة ، فقدّمه عمرو فقتله (تاريخ الطبري : ج۵ ص۱۴۹ ، المعجم الكبير : ج۱ ص۱۰۰ و ص۱۰۳ ح۱۶ وفيه «خارجة بن أبي حبيب» ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۳۷ وفيه «خارجة بن أبي حبيبة» ، الفصول المهمّة : ص۱۳۵ كلّها نحوه وراجع مروج الذهب : ج۲ ص۴۲۸ ومقاتل الطالبيّين : ص۴۴) .
وفي أنساب الأشراف : فأمّا البرك فإنّه انطلق في ليلة ميعادهم فقعد لمعاوية ، فلمّا خرج ليصلّي الغداة شدّ عليه بسيفه ، فأدبر معاوية فضرب طرف أليته ففلقها ووقع السيف في لحم كثير ، واُخذ ، فقال : إنّ لك عندي خبرا سارّا ، قد قتل في هذه الليلة عليّ بن أبي طالب ، وحدّثه بحديثهم ، وعولج معاوية حتّى برأ وأمر بالبرك ، فقتل .
وقيل : ضرب البرك معاوية وهو ساجد ، فمذ ذاك جعل الحرس يقومون على رؤوس الخلفاء في الصلاة ، اتّخذ معاوية المقصورة . وروى بعضهم أنّ معاوية لم يولِد بعد الضربة ، وأنّ معاوية كان أمر بقطع يد البرك ورجله ثمّ تركه ، فصار إلى البصرة ، فولد له في زمن زياد فقتله وصلبه ، وقال له : ولد لك وتركت أمير المؤمنين لا يولد له (أنساب الأشراف : ج۳ ص۲۵ ، الإمامة والسياسة : ج۱ ص۱۸۱ نحوه) .