253
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

القضية بمعاوية . ومن الطبيعي أنّ أمثال هذه القرارات السرّية من قبل الحكومات ليست مما يمكن للمؤرخين الاطّلاع عليه وتثبيته في كتبهم .
إحدى القرائن الاُخرى الجديرة بالتأمّل في هذا السياق هو دور الأشعث في هذه الواقعة ؛ فهو لم يكن مؤيّدا للإمام من كلّ قلبه ، بل إنّه هدّد الإمام بالقتل ، ووصفه الإمام علانية بالنفاق ، ولكن بما أنّه كان رئيسا لقبيلة كندة ، فإنّ الإمام كان ينتهج معه اُسلوب المداراة ؛ لأنّ إبعاده عن الإمام كان يخلق له مشكلة مع تلك القبيلة الكبيرة ويمنعها من الوقوف إلى جانبه .
إنّ دور الأشعث في فرض التحكيم على الإمام ، واختيار أبي موسى للتحكيم وما تبع ذلك من وقائع ، ينمّ عن علاقاته الخفية بمعاوية . وعلى هذا الأساس فإنّ علمه المسبق بعملية الاغتيال قبل وقوعها ، وعلاقة ابن ملجم به قبل تنفيذ العملية يعدّ مؤشّرا على وجود يد لدمشق في تلك الحادثة .
نقل ابن أبي الدنيا عن اُستاذه عبد الغفّار أنّه قال : «سَمِعتُ غَيِرَ واحِدٍ يَذكُرُ أَنَّ اِبنَ مُلجَمٍ باتَ عِندَ الأَشعَثِ بنِ قَيسٍ ، فَلَمّا أسحَرَ جَعَلَ يَقُولُ لَهُ : أَصبَحتَ» ۱ .
ونقل الكثير من المؤرّخين أنّ ابن ملجم عندما مرّ بالأشعث عند المسجد قبل الإقدام على عملية الاغتيال ، قال له : «النَّجاءَ النَّجاءَ لِحاجَتِكَ فَقَد فَضِحَكَ الصُّبحُ» . ولما سمع حُجر بن عدي مقالته عرف مقصوده ، فقال له : «قَتَلتَهُ يا أَعوَرُ» ۲ ، وخرج من المسجد من ساعته ليبلغ الإمام بالقضية ، ولكنّ الإمام كان قد دخل من باب آخر ، وعندما وصل حجر ، كان الرَّجل قد ضرب الإمام !
يمكن لهذه القرائن أن تؤيّد تدخّل دمشق في اغتيال الإمام ، ولكن لا بمعنى نفي أي دور للخوارج في ذلك الاغتيال ، ولكن يعني أنّهم اُقدموا على هذا العمل تحت تأثير مكائد معاوية ولو عن طريق وسطاء ، مثلما يسري هذا الاحتمال على قضية

1.مقتل أميرالمؤمنين عليه السلام لابن أبي الدنيا : ص۳۶ ح۲۳ .

2.راجع : ص۲۶۵ ح۲۹۳۵ و ۲۹۳۶ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
252

لا شكّ في أنّ مثل هذه المسألة لو كانت من اختلاق قُصّاص معاوية لما بقي هذا الموضوع التاريخي المهمّ خافيا عن أذهان المؤرّخين والمحدّثين . ويمكن فهم مدى دور الخوارج في هذه المؤامرة من خلال معرفة هل هم تصرّفوا فيها على نحو مستقلّ أم كانوا في عملهم القذر هذا أداة بيد معاوية أو جلاوزته؟ وكذلك من خلال النظر إلى كيفيّة تنفيذ المؤامرة . وهذه المسائل تتطلّب التأمّل والتمعّن .

2 ـ دور معاوية

لا يوجد من الناحية التاريخيّة سند يمكن أن يعزو بوضوح مؤامرة قتل الإمام إلى معاوية . ولكن توجد ثمّة قرائن لا يمكن للباحث أن ينكر في ضوئها دور معاوية في هذه الواقعة .
لا شكّ في أنّ معاوية كان بصدد قتل الإمام ؛ وذلك لأنّه كان يعلم جيّدا بأنّه لن يصل إلى الخلافة طالما بقي عليّ عليه السلام حيّا ، هذا من جهة ، ومن جهة اُخرى فإنّ قتل الإمام في ساحة المعركة لم يكن أمرا ميسورا ، بل إنّ تجربة وقعة صفّين أثبتت لو أنّ هذه الحرب تكرّرت مرّةً اُخرى لانتهت قطعا بهزيمة معاوية والقضاء عليه . وعلى هذا فإنّ أفضل السبل لإزاحة الإمام عن الطريق هو اغتياله ، وهو عمل سبق له أن جرّبه مع مالك الأشتر الذي يعتبر من أفضل العناصر التي وقفت إلى جانب الإمام .
وكان أنجح اُسلوب لتنفيذ الخطّة هو تنفيذها على يد أنصار سابقين للإمام ؛ أي على يد بقايا الخوارج الذين دخلوا مؤخّرا في صراع مع الإمام ، وكانوا يفكّرون بالانتقام لقتلاهم . وتوفّرت لديهم الدواعي الكافية للإقدام على هذا العمل الخطير والخبيث ، هذا فضلاً عن عدم إمكانية تتبّع المؤامرة والوصول الى الفاعل الأصلي ، ولعلّ هذا هو السبب الذي أدّى إلى عدم وجود أي سند تاريخي يثبت ارتباط هذه

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 99456
صفحه از 684
پرینت  ارسال به