263
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

قالَت اُمُّ كُلثومٍ : فَجَعَلتُ أرقُبُ وَقتَ الأَذانِ ، فَلَمّا لاحَ الوَقتُ أتَيتُهُ ومَعي إناءٌ فيهِ ماءٌ ، ثُمَّ أيقَظتُهُ ، فَأَسبَغَ الوُضوءَ وقامَ ولَبِسَ ثِيابَهُ وفَتَحَ بابَهُ ، ثُمَّ نَزَلَ إلَى الدّارِ وكانَ فِي الدّارِ إوَزٌّ قَد اُهدِيَ إلى أخِيَ الحُسَينِ عليه السلام ، فَلَمّا نَزَلَ خَرَجنَ وَراءَهُ ورَفرَفنَ وصِحنَ في وَجهِهِ ، وكانَ قَبلَ تِلكَ اللَّيلَةِ لَم يَصِحنَ . فَقالَ عليه السلام : لا إلهَ إلَا اللّهُ صَوارِخُ تَتبَعُها نَوائِحُ ، وفي غَداةِ غَدٍ يَظهَرُ القَضاءُ . فَقُلتُ لَهُ : يا أباه هكَذا تَتَطَيَّرُ ؟
فَقالَ : يا بُنَيَّةُ ما مِنّا أهلَ البَيتِ مَن يَتَطَيَّرُ ولا يُتَطَيَّرُ بِهِ ، ولكِن قَولٌ جَرى عَلى لِساني ، ثُمَّ قالَ : يا بُنَيَّةُ بِحَقّي عَلَيكِ إلّا ما أطلَقتيهِ ، فَقَد حَبَستِ ما لَيسَ لَهُ لِسانٌ ولا يَقدِرُ عَلَى الكَلامِ إِذا جاعَ أو عَطِشَ ، فَأَطعِميهِ وأسقيهِ وإلّا خَلّي سَبيلَهُ يَأكُل مِن حَشائِشِ الأَرضِ ۱ .

۲۹۳۲.تنبيه الخواطر عن إسماعيل بن عبد اللّه الصلعي :لَمّا كَثُرَ الاِختِلافُ بَينَ أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وقُتِلَ عُثمانُ بنُ عَفّانَ تَخَوَّفتُ عَلى نَفسِيَ الفِتنَةَ ، فَاعتَزَمتُ عَلَى اعتِزالِ النّاسِ ، فَتَنَحَّيتُ إلى ساحِلِ الَبحرِ فَأَقَمتُ فيهِ حينا لا أدري ما فيهِ النّاسُ مُعتَزِلاً لِأَهلِ الهُجرِ وَالإِرجافِ ، فَخَرَجتُ مِن بَيتي لِبَعضِ حَوائِجي وقَد هَدَأَ اللَّيلُ ونامَ النّاسُ ، فَإِذا أنَا بِرَجُلٍ عَلى ساحِلِ البَحرِ يُناجي رَبَّهُ ويَتَضَرَّعُ إلَيهِ بِصَوتٍ شَجِيٍّ وقَلبٍ حَزينٍ ، فَنُضتُ ۲ إلَيهِ وأصغَيتُ إلَيهِ مِن حَيثُ لا يَراني ، فَسَمِعتُهُ يَقولُ :
يا حَسَنَ الصٌّحبَةِ ، يا خَليفَةَ النَّبِيّينَ ، يا أرحَمَ الرّاحِمينَ ، البَدِئُ البَديعُ لَيسَ مِثلَكَ شَيءُّ ، وَالدّائِمُ غَيرُ الغافِلِ ، وَالحَيُّ الَّذي لا يَموتُ ، أنتَ كُلَّ يَومٍ في شَأنٍ ، أنتَ خَليفَةُ مُحَمَّدٍ وناصِرُ مُحَمَّدٍ ومُفَضِّلُ مُحَمَّدٍ ، أنتَ الَّذي أسأَلُكَ أن تَنصُرَ وَصِيَّ مُحَمَّد

1.بحار الأنوار : ج ۴۲ ص ۲۷۶ ، قال العلّامة المجلسي قدس سره في أوّل هذا النقل : «رأينا في بعض الكتب القديمة رواية في كيفيّة شهادته عليه السلام ؛ أوردنا منه شيئا ممّا يناسب كتابنا هذا على وجه الاختصار» وهو نقل طويل ، أخذنا منه قبسات متفرّقة في بيان شهادة مولانا أمير المؤمنين عليه السلام .

2.كذا في المصدر ، ولعلّه تصحيف : «أنصتُّ» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
262

بُنَيَّةُ إنَّ الدُّنيا في حَلالِها حِسابٌ وفي حَرامِها عِقابٌ . . . يا بُنَيَّةُ وَاللّهِ لا آكُلُ شَيئا حَتّى تَرفَعينَ أحَدَ الإِدامَينِ ، فَلَمّا رَفَعَتهُ تَقَدَّمَ إلَى الطَّعامِ فَأَكَلَ قُرصا واحِدا بِالمِلحِ الجَريشِ ، ثُمَّ حَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ ، ثُمَّ قامَ إلى صَلاتِهِ فَصَلّى ولَم يَزَل راكِعا وساجِدا ومُبتَهِلاً ومُتَضَرِّعا إلَى اللّهِ سُبحانَهُ ، ويُكثِرُ الدُّخولَ وَالخُروجَ وهُوَ يَنظُرُ إلَى السَّماءِ وهُوَ قَلَقٌ يَتَمَلمَلُ . . . .
قالَت : ولَم يَزَل تِلكَ اللَّيلَةُ قائِما وقاعِدا وراكِعا وساجِدا ، ثُمَّ يَخرُجُ ساعَةً بَعدَ ساعَةٍ يَقلِبُ طَرفَهُ فيِ السَّماءِ ويَنظُرُ فِي الكَواكِبِ وهُوَ يَقولُ : وَاللّهِ ما كَذبتُ ولا كُذِّبتُ ، وإنَّهَا اللَّيلَةُ الَّتي وُعِدتُ بِها ، ثُمَّ يَعودُ إلى مُصَلّاهُ ويَقولُ : اللّهُمَّ بارِك لي فِي المَوتِ ، ويُكثِرُ مِن قَولِ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ ولا حَولَ ولا قُوَّةَ إلّا بِاللّهِ العَلِيِّ العَظيمِ ويُصَلّي عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ ، ويَستَغفِرُ اللّهَ كَثيرا .
قالَت : فَلَمّا رَأَيتُهُ في تِلكَ اللَّيلَةِ قَلَقا مُتَمَلمِلاً كَثيرَ الذِّكرِ والاِستِغفارِ أرِقتُ مَعَهُ لَيلَتي وقُلتُ : يا أبَتاه ما لي أراكَ هذِهِ اللَّيلَةَ لا تَذوقُ طَعمَ الرُّقادِ ؟ قالَ : يا بُنَيَّةُ إنَّ أباكِ قَتَلَ الأَبطالَ وخاضَ الأَهوالَ وما دَخَلَ الخَوفُ لَهُ جَوف ۱ ، وما دَخَلَ في قَلبي رُعبٌ أكثَرُ مِمّا دَخَلَ في هذِهِ اللَّيلَةِ ، ثُمَّ قالَ : إنّا للّهِِ وإنّا إلَيهِ راجِعونَ . فَقُلتُ : يا أباه مالَكَ تَنعى نَفسَكَ مُنذُ اللَّيلَةِ ؟ قالَ : يا بُنَيَّةُ قَد قَرُبَ الأَجَلُ وَانقَطَعَ الأَمَلُ . قالَت اُمُّ كُلثومٍ : فَبَكَيتُ فَقالَ لي : يا بُنَيَّةُ لا تَبكينَ فَإِنّي لَم أقلُ ذلِكَ إلّا بِما عَهِدَ إلَيَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله .
ثُمَّ إنَّهُ نَعَسَ وطَوى ساعَةً ، ثُمَّ استَيقَظَ مِن نَومِهِ وقالَ : يا بُنَيَّةُ إذا قَرُبَ وَقتَ الأَذانِ فَأَعلِميني . ثُمَّ رَجََع إلى ما كانَ عَلَيهِ أوَّلَ اللَّيلِ مِنَ الصَّلاة وَالدُّعاءِ وَالتَّضَرُّعِ إلَى اللّهِ سُبحانَهُ وتَعالى .

1.كذا في المصدر ، والصحيح : «وما دخل الخوفُ له جوفا» ، أو «وما دخل الجوفَ له خوفٌ» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 101680
صفحه از 684
پرینت  ارسال به