أحَدٌ إلّا قَتَلتُهُ ، ولا يَثبُتُ لي فارِسٌ إلّا طَحَنتُهُ ، ثُمَّ شَدَدتُ عَلَيهِم شِدَّةَ اللَّيثِ عَلى فَريسَتِهِ ، حَتّى أدخَلتُهُم جَوفَ مَدينَتِهِم مُسَدَّداً عَلَيهِم ، فَاقتَلَعتُ بابَ حِصنِهِم بِيَدي ، حَتّى دَخَلتُ عَلَيهِم مَدينَتَهُم وَحدي أقتُلُ مَن يَظهَرُ فيها مِن رِجالها ، وأسبي مَن أجِدُ مِن نِسائِها حَتَّى افتَتَحتُها ۱ وَحدي ، ولَم يَكُن لي فيها مُعاوِنٌ إلَا اللّهُ وَحدَهُ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله لَمّا تَوَجَّهَ لِفَتحِ مَكَّةَ أحَبَّ أن يُعذِرَ إلَيهِم ويَدعُوَهُم إلَى اللّهِ عَزَّ وجَلَّ آخِراً كَما دَعاهُم أوَّلاً ، فَكَتَبَ إلَيهِم كِتاباً يُحَذِّرُهُم فيهِ ويُنذِرُهُم عَذابَ اللّهِ ، ويَعِدُهُمُ الصَّفحَ ، ويُمَنّيهِم مَغفِرَةَ رَبِّهِم ، ونَسَخَ لَهُم في آخِرِهِ سورَةَ بَراءَةٌ لِيَقرَأَها عَلَيهِم . ثُمَّ عَرَضَ عَلى جَميعِ أصحابِهِ المُضِيَّ بِهِ ، فُكُلُّهُم يَرَى التَّثاقُلَ فيهِ ، فَلَمّا رَأى ذلِكَ نَدَبَ مِنهُم رَجُلاً فَوَجَّهَهُ بِهِ ، فَأَتاهُ جَبرَئيلُ فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، لا يُؤَدّي عَنكَ إلّا أنتَ أو رَجُلٌ مِنكَ . فَأَنبَأَني رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِذلِكَ ، ووَجَّهَني بِكِتابِهِ ورِسالَتِهِ إلى أهلِ مَكَّةَ ، فَأَتَيتُ مَكَّةَ وأهلُها مَن قَد عَرَفتُم ؛ لَيسَ مِنهُم أحَدٌ إلّا ولَو قَدَرَ أن يَضَعَ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنّي إرباً لَفَعَلَ ، ولَو أن يَبذُلَ في ذلِكَ نَفسَهُ وأهلَهُ ووُلدَهُ ومالَهُ ، فَبَلَّغتُهُم رِسالَةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وقَرَأتُ عَلَيهِم كِتابَهُ ، فَكُلُّهُم يَلقاني بِالتَّهَدُّدِ وَالوَعيدِ ، ويُبدي لِيَ البَغضاءَ ، ويُظهِرُ الشَّحناءَ مِن رِجالِهِم ونِسائِهِم ، فَكانَ مِنّي في ذلِكَ ما قَد رَأَيتُم . ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : يا أخَا اليَهودَ ، هذِهَ المَواطِنُ الَّتِي امتَحَنَني فيهِ رَبّي عَزَّ وجَلَّ مَعَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، فَوَجَدَني فيها كُلِّها بِمَنِّهِ مُطيعاً ، لَيسَ لِأَحَدٍ فيها مِثلُ الَّذي لي ، ولَو شِئتُ لَوَصَفتُ ذلِكَ ، ولكِنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ نَهى عَنِ التَّزكِيَةِ .