547
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

وَالإِفهامِ ، وَالقَولِ وَالإِسماعِ ، وسائِرُ النّاسِ مِن غَيرِ بَني عَبدِ المُطَّلِبِ بَينَ مُعَزٍّ يَأمُرُ بِالصَّبرِ ، وبَينَ مُساعِدٍ باكٍ لِبُكائِهِم ، جازِعٍ لِجَزَعِهِم ، وحَمَلتُ نَفسي عَلَى الصَّبرِ عِندَ وَفاتِهِ بِلُزومِ الصَّمتِ ، وَالاِشتِغالِ بِما أمَرَني بِهِ مِن تَجهيزِهِ وتَغسيلِهِ وتَحنيطِهِ وتَكفينِهِ وَالصَّلاةِ عَلَيهِ ووَضعِهِ في حُفرَتِهِ ، وجَمعِ كِتابِ اللّهِ وعَهدِهِ إلى خَلقِهِ ، لا يَشغَلُني عَن ذلِكَ بادِرُ دَمعَةٍ ، ولا هائِجُ زَفرَةٍ ، ولا لاذِعُ حُرقَةٍ ، ولا جَزيلُ مُصيبَةٍ ، حَتّى أدَّيتُ في ذلِكَ الحَقَّ الواجِبَ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله عَلَيَّ ، وبَلَّغتُ مِنهُ الَّذي أمَرَني بِهِ ، وَاحتَمَلتُهُ صابِراً مُحتَسِباً . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الثّانِيَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمَّرَني في حَياتِهِ عَلى جَميعِ اُمَّتِهِ ، وأخَذَ عَلى جَميعِ مَن حَضَرَهُ مِنهُمُ البَيعَةَ وَالسَّمعَ وَالطّاعَةَ لاِمري ، وأمَرَهُم أن يُبَلِّغَ الشّاهِدُ الغائِبَ ذلِكَ ، فَكُنتُ المُؤَدِّيَ إلَيهِم عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أمرَهُ إذا حَضَرتُهُ ، وَالأَميرَ عَلى مَن حَضَرَني مِنهُم إذا فارَقتُهُ ، لا تَختَلِجُ في نَفسي مُنازَعَةُ أحَدٍ مِنَ الخَلقِ لي في شَيءٍ مِنَ الأَمرِ في حَياةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، ولا بَعدَ وَفاتِهِ .
ثُمَّ أمَرَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِتَوجيهِ الجَيشِ الَّذي وَجَّهَهُ مَعَ اُسامَةَ بنِ زَيدٍ عِندَ الَّذي أحدَثَ اللّهُ بِهِ مِنَ المَرَضِ الَّذي تَوَفّاهُ فيهِ ، فَلَم يَدَعِ النَّبِيُّ أحَداً مِن أفناءِ العَرَبِ ولا مِنَ الأَوسِ وَالخَزرَجِ وغَيرِهِم مِن سائِرِ النّاسِ مِمَّن يَخافُ عَلى نَقضِهِ ومُنازَعَتِهِ ، ولا أحَداً مِمَّن يَراني بِعَينِ البَغضاءِ مِمَّن قَد وَتَرتُهُ بِقَتلِ أبيهِ أو أخيهِ أو حَميمِهِ إلّا وَجَّهَهُ في ذلِكَ الجَيشِ ، ولا مِنَ المُهاجِرينَ وَالأَنصارِ ، وَالمُسلِمينَ وغَيرِهِم ، وَالمُؤَلَّفَةِ قُلوبُهُم ، وَالمُنافِقينَ ؛ لِتَصفُوَ قُلوبُ مَن يَبقى مَعي بِحَضرَتِهِ ، ولِئَلّا يَقولَ قائِلٌ شَيئاً مِمّا أكرَهُهُ ، ولا يَدفَعَني دافِعٌ مِنَ الوِلايَةِ وَالقِيامِ بِأَمرِ رَعِيَّتِهِ مِن بَعدِهِ .
ثُمَّ كانَ آخِرُ ما تَكَلَّمَ بِهِ في شَيءٍ مِن أمرِ اُمَّتِهِ أن يَمضِيَ جَيشُ اُسامَة


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
546

فَقالوا : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، صَدَقتَ وَاللّهِ ، ولَقَد أعطاكَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ الفَضيلَةَ بِالقَرابَةِ مِن نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ، وأسعَدَكَ بِأَن جَعَلَكَ أخاهُ ، تَنزِلُ مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، وفَضَّلَكَ بِالمَواقِفِ الَّتي باشَرتَها ، وَالأَهوالِ الَّتي رَكِبتَها ، وذَخَرَ لَكَ الَّذي ذَكَرتَ وأكثَرَ مِنهُ مِمّا لَم تَذكُرهُ ، ومِمّا لَيسَ لِأَحَدٍ مِنَ المُسلِمينَ مِثلُهُ ، يَقولُ ذلِكَ مَن شَهِدَكَ مِنّا مَعَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله ومَن شَهِدَكَ بَعدَهُ ، فَأَخبِرنا يا أميرَ المُؤمِنينَ ، مَا امتَحَنَكَ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِهِ بَعدَ نَبِيِّنا صلى الله عليه و آله فَاحتَمَلتَهُ وصَبَرتَ ؟ فَلَو شِئنا أن نَصِفَ ذلِكَ لَوَصَفناهُ ، عِلماً مِنّا بِهِ ، وظُهوراً مِنّا عَلَيهِ ، إلّا أنّا نُحِبُّ أن نَسمَعَ مِنكَ ذلِكَ كَما سَمِعنا مِنكَ مَا امتَحَنَكَ اللّهُ بِهِ في حَياتِهِ فَأَطَعتَهُ فيهِ .
فَقالَ عليه السلام : يا أخَا اليَهودِ ، إنَّ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ امتَحَنَني بَعدَ وَفاةِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله في سَبعَةِ مَواطِنَ ، فَوَجَدَني فيهِنَّ ـ مِن غَيرِ تَزكِيَةٍ لِنَفسي ـ بِمَنِّهِ ونِعمَتِهِ صَبوراً .
أمّا أوَّلُهُنَّ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّهُ لَم يَكُن لي خاصَّةً دونَ المُسلِمينَ عامَّةً أحَدٌ آنَسُ بِهِ أو أعتَمِدُ عَلَيهِ أو أستَنيمُ ۱ إلَيهِ أو أتَقَرَّبُ بِهِ غَيرُ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، هُوَ رَبّاني صَغيراً ، وبَوَّأَني ۲ كَبيراً ، وكَفانِي العَيلَةَ ، وجَبَرَني مِنَ اليُتمِ ، وأغناني عَنِ الطَّلَبِ ، ووَقانِيَ المَكسَبَ ، وعالَ لِيَ النَّفسَ وَالوَلَدَ وَالأَهلَ . هذا في تَصاريفِ أمرِ الدُّنيا ، مَعَ ما خَصَّني بِهِ مِنَ الدَّرَجاتِ الَّتي قادَتني إلى مَعالِي الحَقِّ ۳ عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ، فَنَزَلَ بي مِن وَفاةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ما لَم أكُن أظُنُّ الجِبالَ لَو حُمَّلَتهُ عَنوَةً كانَت تَنهَضُ بِهِ ، فَرَأَيتُ النّاسَ مِن أهلِ بَيتي ما بَينَ جازِعٍ لا يَملِكُ جَزَعَهُ ، ولا يَضبِطُ نَفسَهُ ، ولا يَقوى عَلى حَملِ فادِحِ ما نَزَلَ بِهِ ؛ قَد أذهَبَ الجَزَعُ صَبرَهُ ، وأذهَلَ عَقلَهُ ، وحالَبَينَهُ وبَينَ الفَهم

1.استنام فلان إلى فلان : إذا أنس به واطمأنّ إليه وسكن (لسان العرب : ج۱۲ ص۵۹۸) .

2.الباءة والباء : النكاح والتزويج (لسان العرب : ج۱ ص۳۶) .

3.كذا ، وفي بحار الأنوار نقلاً عن المصدر : «معالي الحظوة» .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 116129
صفحه از 684
پرینت  ارسال به