549
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

ودينِهِ الإِسلامِ يَأتُونِّي عَوداً وبَدءاً وعَلانِيَةً وسِرّاً فَيَدعُونِّي إلى أخذِ حَقّي ، ويَبذُلونَ أنفُسَهُم في نُصرَتي ، لِيُؤَدّوا إلَيَّ بِذلِكَ بَيعَتي في أعناقِهِم ، فَأَقولُ : رُوَيداً وصَبراً قَليلاً ؛ لَعَلَّ اللّهَ يَأتيني بِذلِكَ عَفواً بِلا مُنازَعَةٍ ، ولا إراقَةِ الدِّماءِ ، فَقَدِ ارتابَ كَثيرٌ مِنَ النّاسِ بَعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وطَمِعَ فِي الأَمرِ بَعدَهُ مَن لَيسَ لَهُ بِأَهلٍ ، فَقالَ كُلُّ قَومٍ : مِنّا أميرٌ ، وما طَمِعَ القائِلونَ في ذلِكَ إلّا لِتَناوُلِ غَيرِي الأَمرَ .
فَلَمّا دَنَت وَفاةُ القائِمِ وَانقَضَت أيّامُهُ صَيَّرَ الأَمرَ بَعدَهُ لِصاحِبِهِ ، فَكانَت هذِهِ اُختَ اُختِها ، ومَحَلُّها مِنّي مِثلُ مَحَلِّها ، وأخَذا مِنّي ما جَعَلَهُ اللّهُ لي ، فَاجتَمَعَ إلَيَّ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِمَّن مَضى ومِمَّن بَقِيَ مِمَّن أخَّرَهُ اللّهُ مَنِ اجتَمَعَ ، فَقالوا لي فيها مِثلَ الَّذي قالوا في اُختِها ، فَلَم يَعدُ قولِيَ الثّاني قولِيَ الأَوَّلَ ، صَبراً وَاحتِساباً ويَقيناً وإشفاقاً مِن أن تَفنى عُصبَةٌ تَأَلَّفَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِاللّينِ مَرَّةً وبِالشِّدَّةِ اُخرى ، وبِالنُّذرِ مَرَّةً وبِالسَّيفِ اُخرى ، حَتّى لَقَد كانَ مِن تَأَلُّفِهِ لَهُم أن كانَ النّاسُ في الكَرِّ وَالفِرارِ وَالشَّبَعِ وَالرَّيِّ وَاللِّباسِ وَالوِطاءِ وَالدِّثارِ ، ونَحنُ أهلُ بَيتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله لا سُقوفَ لِبُيوتِنا ، ولا أبوابَ ولاسُتورَ إلَا الجَرائِدُ وما أشبَهَها ، ولا وِطاءَ لَنا ، ولا دِثار عَلَينا ، يَتَداوَلُ الثَّوبَ الواحِدَ فِي الصَّلاةِ أكثَرُنا ، ونَطوِي اللَّيالِيَ وَالأَيّامَ عامَّتُنا ، ورُبَّما أتانَا الشَّيءُ مِمّا أفاءَهُ اللّهُ عَلَينا وصَيَّرَهُ لَنا خاصَّةً دونَ غَيرِنا ـ ونَحنُ عَلى ما وَصَفتُ مِن حالِنا ـ فَيُؤثِرُ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أربابَ النِّعَمِ وَالأَموالِ تَأَلُّفاً مِنهُ لَهُم .
فَكُنتُ أحَقَّ مَن لَم يُفَرِّق هذِهِ العُصبَةَ الَّتي أَلَّفَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولَم يَحمِلها عَلَى الخُطَّةِ الَّتي لا خَلاصَ لَها مِنها دونَ بُلوغِها ، أو فَناءِ آجالِها ؛ لِأَنّي لَو نَصَبتُ نَفسي فَدَعَوتُهُم إلى نُصرَتي كانوا مِنّي وفي أمري عَلى إحدى مَنزِلَتَينِ ؛ إمّا مُتَّبِعٌ مُقاتِلٌ ، وإمّا مَقتولٌ إن لَم يَتَّبِعِ الجَميعَ ، وإمّا خاذِلٌ يَكفُرُ بِخِذلانِهِ إن قَصَّرَ في نُصرَتي أو أمسَكَ عَن طاعَتي ، وقَد عَلِمَ اللّهُ أنّي مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، يَحُلُّ بِهِ فى
¨


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
548

ولا يَتَخَلَّفَ عَنهُ أحَدٌ مِمّن أنهَضَ مَعَهُ ، وتَقَدَّمَ في ذلِكَ أشَدَّ التَّقَدُّمِ ، وأوعَزَ فيهِ أبلَغَ الإِيعازِ ، وأكَّدَ فيهِ أكثَرَ التَّأكيدِ ، فَلَم أشعُر بَعدَ أن قُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله إلّا بِرِجالٍ مِن بَعثِ اُسامَةَ بنِ زَيدٍ وأهلِ عَسكَرِهِ قَد تَرَكوا مَراكِزَهُم ، وأخَلّوا مَواضِعَهُم ، وخالَفوا أمرَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله فيما أنهَضَهُم لَهُ وأمَرَهُم بِهِ وتَقَدَّمَ إلَيهِم ؛ مِن مُلازَمَةِ أميرِهِم ، وَالسَّيرِ مَعَهُ تَحتَ لِوائِهِ حَتّىَينفُذَ لِوَجهِهِ الَّذي أنفَذَهُ إلَيهِ ، فَخَلَّفوا أميرَهُم مُقيماً في عَسكَرِهِ ، وأقبَلوا يَتَبادَرونَ عَلَى الخَيلِ رَكضاً إلى حَلِّ عُقدَةٍ عَقَدَهَا اللّهُ عَزَّ وجَلَّ لي ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله في أعناقِهِم فَحَلّوها ، وعَهدٍ عاهَدُوا اللّهَ ورَسولَهُ فَنَكَثوهُ ، وعَقَدوا لِأَنفُسِهِم عَقداً ضَجَّت بِهِ أصواتُهُم ، وَاختَصَّت بِهِ آراؤُهُم مِن غَيرِ مُناظَرَةٍ لِأَحَدٍ مِنّا بَني عَبدِ المُطَّلِبِ ، أو مُشارَكَةٍ في رَأيٍ ، أوِ استِقالَةٍ لِما في أعناقِهِم مِن بَيعَتي ، فَعَلوا ذلِكَ وأنَا بِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مَشغولٌ ، وبِتَجهيزِهِ عَن سائِرِ الأَشياءِ مَصدودٌ ، فَإِنَّهُ كانَ أهَمَّها ، وأحَقَّ ما بُدِئَ بِهِ مِنها . فَكانَ هذا ـ يا أخَا اليَهودِ ـ أقرَحَ ما وَرَدَ عَلى قَلبي مَعَ الَّذي أنَا فيهِ مِن عَظيمِ الرَّزِيَّةِ وفاجِعِ المُصيبَةِ ، وفَقِد مَن لا خَلَفَ مِنهُ إلَا اللّهُ تَبارَكَ وتَعالى ، فَصَبَرتُ عَلَيها إذ ۱ أتَت بَعدَ اُختِها عَلى تَقارُبِها وسُرعَةِ اتِّصالِها. ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ: أ لَيسَ كَذلِكَ؟ قالوا: بَلى يا أميرَالمُؤمِنينَ.
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الثّالِثَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ القائِمَ بَعدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله كانَ يَلقاني مُعتَذِراً في كُلِّ أيّامِهِ ، ويَلومُ غَيرَهُ مَا ارتَكَبَهُ مِن أخذِ حَقّي ، ونَقضِ بَيعَتي ، ويَسأَلُني تَحليلَهُ ، فَكُنتُ أقولُ : تَنقَضي أيّامُهُ ثُمَّ يَرجِعُ إلَيَّ حَقِّيَ الَّذي جَعَلَهُ اللّهُ لي عَفواً هَنيئاً مِن غَيرِ أن اُحدِثَ فِي الإِسلامِ ـ مَعَ حُدوثِهِ وقُربِ عَهدِهِ بِالجاهِلِيَّةِ ـ حَدَثاً في طَلَبِ حَقّي بِمُنازَعَةٍ ، لَعَلَّ فُلاناً يَقولُ فيها : نَعَم ، وفُلاناً يَقولُ : لا ، فَيَؤولُ ذلِكَ مِنَ القَولِ إلَى الفِعلِ ، وجَماعَةٌ مِن خَواصِّ أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أعرِفُهُم بِالنُّصحِ للّهِِ ولِرَسولِهِ ولِكِتابِه

1.في المصدر : «إذا» وهو تصحيف ، والصحيح ما أثبتناه كما في بحار الأنوار نقلاً عن المصدر .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 116111
صفحه از 684
پرینت  ارسال به