ودينِهِ الإِسلامِ يَأتُونِّي عَوداً وبَدءاً وعَلانِيَةً وسِرّاً فَيَدعُونِّي إلى أخذِ حَقّي ، ويَبذُلونَ أنفُسَهُم في نُصرَتي ، لِيُؤَدّوا إلَيَّ بِذلِكَ بَيعَتي في أعناقِهِم ، فَأَقولُ : رُوَيداً وصَبراً قَليلاً ؛ لَعَلَّ اللّهَ يَأتيني بِذلِكَ عَفواً بِلا مُنازَعَةٍ ، ولا إراقَةِ الدِّماءِ ، فَقَدِ ارتابَ كَثيرٌ مِنَ النّاسِ بَعدَ وَفاةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله ، وطَمِعَ فِي الأَمرِ بَعدَهُ مَن لَيسَ لَهُ بِأَهلٍ ، فَقالَ كُلُّ قَومٍ : مِنّا أميرٌ ، وما طَمِعَ القائِلونَ في ذلِكَ إلّا لِتَناوُلِ غَيرِي الأَمرَ .
فَلَمّا دَنَت وَفاةُ القائِمِ وَانقَضَت أيّامُهُ صَيَّرَ الأَمرَ بَعدَهُ لِصاحِبِهِ ، فَكانَت هذِهِ اُختَ اُختِها ، ومَحَلُّها مِنّي مِثلُ مَحَلِّها ، وأخَذا مِنّي ما جَعَلَهُ اللّهُ لي ، فَاجتَمَعَ إلَيَّ مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله مِمَّن مَضى ومِمَّن بَقِيَ مِمَّن أخَّرَهُ اللّهُ مَنِ اجتَمَعَ ، فَقالوا لي فيها مِثلَ الَّذي قالوا في اُختِها ، فَلَم يَعدُ قولِيَ الثّاني قولِيَ الأَوَّلَ ، صَبراً وَاحتِساباً ويَقيناً وإشفاقاً مِن أن تَفنى عُصبَةٌ تَأَلَّفَهُم رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله بِاللّينِ مَرَّةً وبِالشِّدَّةِ اُخرى ، وبِالنُّذرِ مَرَّةً وبِالسَّيفِ اُخرى ، حَتّى لَقَد كانَ مِن تَأَلُّفِهِ لَهُم أن كانَ النّاسُ في الكَرِّ وَالفِرارِ وَالشَّبَعِ وَالرَّيِّ وَاللِّباسِ وَالوِطاءِ وَالدِّثارِ ، ونَحنُ أهلُ بَيتِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله لا سُقوفَ لِبُيوتِنا ، ولا أبوابَ ولاسُتورَ إلَا الجَرائِدُ وما أشبَهَها ، ولا وِطاءَ لَنا ، ولا دِثار عَلَينا ، يَتَداوَلُ الثَّوبَ الواحِدَ فِي الصَّلاةِ أكثَرُنا ، ونَطوِي اللَّيالِيَ وَالأَيّامَ عامَّتُنا ، ورُبَّما أتانَا الشَّيءُ مِمّا أفاءَهُ اللّهُ عَلَينا وصَيَّرَهُ لَنا خاصَّةً دونَ غَيرِنا ـ ونَحنُ عَلى ما وَصَفتُ مِن حالِنا ـ فَيُؤثِرُ بِهِ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله أربابَ النِّعَمِ وَالأَموالِ تَأَلُّفاً مِنهُ لَهُم .
فَكُنتُ أحَقَّ مَن لَم يُفَرِّق هذِهِ العُصبَةَ الَّتي أَلَّفَها رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، ولَم يَحمِلها عَلَى الخُطَّةِ الَّتي لا خَلاصَ لَها مِنها دونَ بُلوغِها ، أو فَناءِ آجالِها ؛ لِأَنّي لَو نَصَبتُ نَفسي فَدَعَوتُهُم إلى نُصرَتي كانوا مِنّي وفي أمري عَلى إحدى مَنزِلَتَينِ ؛ إمّا مُتَّبِعٌ مُقاتِلٌ ، وإمّا مَقتولٌ إن لَم يَتَّبِعِ الجَميعَ ، وإمّا خاذِلٌ يَكفُرُ بِخِذلانِهِ إن قَصَّرَ في نُصرَتي أو أمسَكَ عَن طاعَتي ، وقَد عَلِمَ اللّهُ أنّي مِنهُ بِمَنزِلَةِ هارونَ مِن موسى ، يَحُلُّ بِهِ فى
¨