551
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

يَستَوِني ۱ بِواحِدٍ مِنهُم ، ولا ذَكَرَ لي حالاً في وِراثَةِ الرَّسولِ ، ولا قَرابَةٍ ، ولا صِهرٍ ، ولا نَسَبٍ ، ولا لِواحِدٍ مِنهُم مِثلُ سابِقَةٍ مِن سَوابِقي ، ولا أثَرٌ مِن آثاري ، وصَيَّرَها شورى بَينَنا ، وصَيَّرَ ابنَهُ فيها حاكِماً عَلَينا ، وأمَرَهُ أن يَضرِبَ أعناقَ النَّفَرِ السَّتَّةِ الَّذينَ صَيَّرَ الأَمرَ فيهم إن لَم يُنفِذوا أمرَهُ ، وكَفى بِالصَّبرِ عَلى هذا ـ يا أخَا اليَهودِ ـ صَبراً .
فَمَكَثَ القَومُ أيّامَهُم كُلَّها كُلٌّ يَخطُبُ لِنَفسِهِ ، وأنَا مُمسِكٌ عَن أن سَأَلوني عَن أمري ، فَناظَرتُهُم في أيّامي وأيّامِهِم ، وآثاري وآثارِهِم ، وأوضَحتُ لَهُم ما لَم يَجهَلوهُ مِن وُجوهِ استِحقاقي لَها دونَهُم ، وذَكَّرتُهُم عَهدَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله إلَيهِم ، وتأكيدَ ما أكَّدَهُ مِنَ البَيعَةِ لي في أعناقِهِم . دَعاهُم حُبُّ الإِمارَةِ ، وبَسطُ الأَيدي وَالأَلسُنِ فِي الأَمرِ وَالنَّهيِ ، وَالرُّكونُ إلَى الدُّنيا ، وَالِاقتِداءُ بِالماضينَ قَبلَهُم إلى تَناوُلِ ما لَم يَجعَلِ اللّهُ لَهُم .
فَإِذا خَلَوتُ بِالواحِدِ ذَكَّرتُهُ أيّامَ اللّهِ ، وحَذَّرتُهُ ما هُوَ قادِمٌ عَلَيهِ وصائِرٌ إلَيهِ ، التَمَسَ مِنّي شَرطاً أن اُصَيِّرَها لَهُ بَعدي ، فَلَمّا لَم يَجِدوا عِندي إلَا المَحَجَّةَ البَيضاءَ ، وَالحَملَ عَلى كِتابِ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ ووَصِيَّةِ الرَّسولِ ، وإعطاءَ كُلِّ امرِئٍ مِنهُم ماجَعَلَهُ اللّهُ لَهُ ، ومَنعَهُ ما لَم يَجعَلِ اللّهُ لَهُ ، أزالَها عَنّي إلَى ابنِ عَفّانَ ؛ طَمَعاً فِي الشَّحيحِ مَعَهُ فيها ، وَابنُ عَفّانَ رَجُلٌ لَم يَستَوِ بِهِ وبِواحِدٍ مِمَّن حَضَرَهُ حالٌ قَطُّ ، فَضلاً عَمَّن دونَهُم ، لا بِبَدرٍ ـ الَّتي هِيَ سَنامُ فَخرِهِم ـ ولا غَيرِها مِنَ المَآثِرِ الَّتي أكرَمَ اللّهُ بِها رَسولَهُ ، ومَنِ اختَصَّهُ مَعَهُ مِن أهلِ بَيتِهِ عليهم السلام .
ثُمَّ لَم أعلَمِ القَومَ أمسَوا مِن يَومِهِم ذلِكَ حَتّى ظَهَرَت نَدامَتُهُم ، ونَكَصوا عَلى أعقابِهِم ، وأحالَ بَعضُهُم عَلى بَعضٍ ، كُلٌّ يَلومُ نَفسَهُ ويَلومُ أصحابَهُ ، ثُمَّ لَم تَطُلِ الأَيّامُ بِالمُستَبِدِّ بِالأَمرِ ؛ ابنِ عَفّانَ حَتّى أكفَروهُ وتَبَرَّؤوا مِنهُ ، ومَشى إلى أصحابِهِ خاصَّة

1.كذا في المصدر ، وفي الاختصاص : «يُساوِني» .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
550

مُخالَفَتي وَالإِمساكِ عَن نُصرَتي ما أحَلَّ قَومُ موسى بِأَنفُسِهِم في مُخالِفَةِ هارونَ وتَركِ طاعَتِهِ . ورَأَيتُ تَجَرُّعَ الغُصَصِ ، ورَدَّ أنفاسِ الصُّعَداءِ ، ولُزومَ الصَّبرِ حَتّى يَفتَحَ اللّهُ أو يَقضِيَ بِما أحَبَّ أزيَدَ لي في حَظّي ، وأرفَقَ بِالعِصابَةِ الَّتي وَصَفتُ أمرَهُم «وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا»۱ .
ولَو لَم أتَّقِ هذِهِ الحالَةَ ـ يا أخَا اليَهودِ ـ ثُمَّ طَلَبتُ حَقّي لَكُنتُ أولى مِمَّن طَلَبَهُ ؛ لِعِلمِ مَن مَضى مِن أصحابِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ومَن بِحَضرَتِكَ مِنهُ بِأَنّي كُنتُ أكثَرَ عَدَداً ، وأعَزَّ عَشيرَةً ، وأمنَعَ رِجالاً ، وأطوَعَ أمراً ، وأوضَحَ حُجَّةً ، وأكثَرَ فِي هذَا الدّينِ مَناقِبَ وآثاراً ؛ لِسَوابِقي وقَرابَتي ووِراثَتي ، فَضلاً عَنِ استِحقاقي ذلِكَ بِالوَصِيَّةِ الَّتي لا مَخرَجَ لِلعِبادِ مِنها ، وَالبَيعَةِ المُتَقَدِّمَةِ في أعناقِهِم مِمَّن تَناوَلَها ، وقَد قُبِضَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله وإنَّ وِلايَةَ الاُمَّةِ في يَدِهِ وفي بَيتِهِ ، لا في يَدِ الاُلى تَناوَلوها ولا في بُيوتِهِم ، ولَأَهلُ بَيتِهِ الَّذينَ أذهَبَ اللّهُ عَنهُمُ الرِّجسَ وطَهَّرَهُم تَطهيرا أولى بِالأَمرِ مِن بَعدِهِ مِن غَيرِهِم في جَميعِ الخِصالِ . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا الرّابِعَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَإِنَّ القائِمَ بَعدَ صاحِبِهِ كانَ يُشاوِرُني في مَوارِدِ الاُمورِ فَيُصدِرُها عَن أمري ، ويُناظِرُني في غَوامِضِها فَيُمضيها عَن رَأيي ، لا أعلَمُ أحَداً ولايَعلَمُهُ أصحابي يُناظِرُهُ في ذلِكَ غَيري ، ولا يَطمَعُ فِي الأَمرِ بَعدَهُ سِوايَ ، فَلَمّا أن أتَتهُ مَنِيَّتُهُ عَلى فَجأَةٍ بِلا مَرَضٍ كان قَبلَهُ ، ولا أمرٍ كانَ أمضاهُ في صِحَّةٍ مِن بَدَنِهِ ، لَم أشُكَّ أنّي قَدِ استَرجَعتُ حَقّي في عافِيَةٍ بِالمَنزِلَةِ الَّتي كُنتُ أطلُبُها ، وَالعاقِبَةِ الَّتي كُنتُ ألتَمِسُها ، وإنَّ اللّهَ سَيَأتي بِذلِكَ عَلى أحسَنِ ما رَجَوتُ ، وأفضَلِ ما أمَّلتُ ، وكانَ مِن فِعلِهِ أن خَتَمَ أمرَهُ بِأَن سَمّى قَوماً أنَا سادِسُهُم ، ولَم

1.الأحزاب : ۳۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 116045
صفحه از 684
پرینت  ارسال به