555
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

أرضاهُ ، ومَن خالَفَهُ ناواهُ .
ثُمَّ تَوَجَّهَ إلَيَّ ناكِثاً عَلَينا ، مُغيراً فِي البِلادِ شَرقاً وغَرباً ، ويَميناً وشِمالاً ، وَالأَنباءُ تَأتيني وَالأَخبارُ تَرِدُ عَلَيَّ بِذلِكَ ، فَأَتاني أعوَرُ ثَقيفٍ فَأَشارَ عَلَيَّ أن اُوَلِّيَهُ البِلادَ الَّتي هُوَ بِها ؛ لِاُدارِيَهُ بِما اُوَلّيهِ مِنها ، وفِي الَّذي أشارَ بِهِ الرَّأيُ في أمرِ الدُّنيا ، لَو وَجَدتُ عِندَ اللّهِ عَزَّ وجَلَّ في تَولِيَتِهِ لي مَخرَجاً ، وأصَبتُ لِنَفسي في ذلِكَ عُذراً ، فَأَعلَمتُ الرَّأيَ في ذلِكَ ، وشاوَرتُ مَن أثِقُ بِنَصيحَتِهِ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ولِرَسولِهِ صلى الله عليه و آله ولي ولِلمُؤمِنينَ ، فَكانَ رَأيُهُ في ابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ كَرَأيي ، يَنهاني عنَ تَولِيَتِهِ ، ويُحَذِّرُني أن اُدخِلَ في أمرِ المُسلِمينَ يَدَهُ ، ولَم يَكُنِ اللّهُ لِيَراني أتَّخِذُ المُضِلّينَ عَضُداً ۱ .
فَوَجَّهتُ إلَيهِ أخا بَجيلَةَ مَرَّةً ، وأخَا الأَشعَرِيّينَ مَرَّةً ، كِلاهُما رَكَنَ إلَى الدُّنيا ، وتابَعَ هَواهُ فيما أرضاهُ ، فَلَمّا لَم أرَهُ أن يَزدادَ فيمَا انتَهَكَ مِن مَحارِمِ اللّهِ إلّا تَمادِياً شاوَرتُ مَن مَعي مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله البَدرِيّينَ ، وَالَّذينَ ارتَضَى اللّهُ عَزَّ وجَلَّ أمرَهُم ورَضِيَ عَنهُم بَعدَ بَيعَتِهِم ، وغَيرِهِم مِن صُلَحاءِ المُسلِمينَ وَالتّابِعينَ ، فَكُلٌّ يُوافِقُ رَأيُهُ رَأيي ؛ في غَزوِهِ ومُحارَبَتِهِ ومَنعِهِ مِمّا نالَت يَدُهُ .
وإنّي نَهَضتُ إلَيهِ بِأَصحابي ، اُنفِذُ إلَيهِ مِن كُلِّ مَوضِعٍ كُتُبي ، واُوَجِّهُ إلَيهِ رُسُلي ، أدعوهُ إلَى الرُّجوعِ عَمّا هُوَ فيهِ ، وَالدُّخولِ فيما فيهِ النّاسُ مَعي ، فَكَتَبَ يَتَحَكَّمُ عَلَيَّ ، ويَتَمَنّى عَلَيَّ الأَمانِيَّ ، ويَشتَرِطُ عَلَيَّ شُروطاً لا يَرضاهَا اللّهُ عَزَّ وجَلَّ ورَسولُهُ ولَا المُسلِمونَ ، ويَشتَرِطُ في بَعضِها أن أدفَعَ إلَيهِ أقواماً مِن أصحابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله أبراراً ، فيهِم عَمّارُ بنُ ياسِرٍ ، وأينَ مِثلُ عَمّارٍ ؟ ! وَاللّهِ لَقَدَرَأيتُنا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وما يُعَدُّ مِنّا خَمسَةٌ إلّا كانَ سادِسَهُم ، ولا أربَعَةٌ إلّا كانَ خامِسَهُم ، اشتَرَطَ دَفعَهُم إلَيهِ لِيَقتُلَهُم

1.إشارة إلى الآية ۵۱ من سورة الكهف .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
554

وأظهَرتُهُ آخِراً مِثلُ الَّذي وَسَعَني مِنهُ أوَّلاً ؛ مِنَ الإِغضاءِ وَالإِمساكِ ، ورَأَيتُني إن أمسَكتُ كُنتُ مُعيناً لَهُم عَلَيَّ بِإِمساكي عَلى ما صاروا إلَيهِ ، وطَمِعُوا فيهِ مِن تَناوُلِ الأَطرافِ ، وسَفكِ الدِّماءِ ، وقَتلِ الرَّعِيَّةِ ، وتَحكيمِ النِّساءِ النَّواقِصِ العُقولِ وَالحُظوظِ عَلى كُلِّ حالٍ ، كَعادَةِ بَني الأَصفَرِ ومَن مَضى مِن مُلوكِ سَبَاً وَالاُمَمِ الخالِيَةِ ، فَأَصيرُ إلى ما كَرِهتُ أوَّلاً وآخِراً .
وقَد أهمَلتُ المَرأَةَ وجُندَها يَفعَلونَ ما وَصَفتُ بَينَ الفَريقَينِ مِنَ النّاسِ ، ولَم أهجُم عَلَى الأَمرِ إلّا بعَدَما قَدَّمتُ وأخَّرتُ ، وتَأَنَّيتُ وراجَعتُ ، وأرسَلتُ وسافَرتُ ، وأعذَرتُ وأنذَرتُ ، وأعطَيتُ القَومَ كُلَّ شَيءٍ التَمَسوهُ بَعدَ أن عَرَضتُ عَلَيهِم كُلَّ شَيءٍ لَم يَلتَمِسوهُ ، فَلَمّا أبَوا إلّا تِلكَ ، أقدَمتُ عَلَيها ، فَبَلَغَ اللّهُ بي وبِهِم ما أرادَ ، وكانَ لي عَلَيهِم بِما كانَ مِنّي إلَيهِم شَهيداً . ثُمَّ التَفَتَ عليه السلام إلى أصحابِهِ فَقالَ : أ لَيسَ كَذلِكَ ؟ قالوا : بَلى يا أميرَ المُؤمِنينَ .
فَقالَ عليه السلام : وأمَّا السّادِسَةُ يا أخَا اليَهودِ ، فَتَحكيمُهُمُ الحَكَمَينِ وُمحارَبَةُ ابنِ آكِلَةِ الأَكبادِ وهُوَ طَليقٌ مُعانِدٌ للّهِِ عَزَّ وجَلَّ ولِرَسولِهِ وَالمُؤمِنينَ مُنذُ بَعَثَ اللّهُ مُحَمَّداً إلى أن فَتَحَ اللّهُ عَلَيهِ مَكَّةَ عَنوَةً ، فَاُخِذَت بَيعَتُهُ وبَيعَةُ أبيهِ لي مَعَهُ في ذلِكَ اليَومِ وفي ثَلاثَةِ مَواطِنَ بَعدَهُ ، وأبوهُ بِالأَمسِ أوَّلَ مَن سَلَّمَ عَلَيَّ بِإِمرَةِ المؤُمِنينَ ، وجَعَلَ يَحُثُّني عَلَى النُّهوضِ في أخَذِ حَقّي مِنَ الماضينَ قَبلي ، ويُجَدِّدُ لي بَيعَتَهُ كُلَّما أتاني .
وأعجَبُ العَجَبِ أنَّهُ لَمّا رَأى رَبّي تَبارَكَ وتَعالى قَد رَدَّ إلَيَّ حَقّي وأقَرَّ في مَعدِنِهِ ، وَانقَطَعَ طَمَعُهُ أن يَصيرَ في دينِ اللّهِ رابِعاً ، وفي أمانَةٍ حُمِّلناها حاكِماً ، كَرَّ عَلَى العاصِي بنِ العاصِ فَاستَمالَهُ ، فَمالَ إلَيهِ ، ثُمَّ أقبَلَ بِهِ بَعدَ أن أطمَعَهُ مِصرَ ، وحَرامٌ عَلَيهِ أن يَأخُذَ مِنَ الفَيءِ دونَ قِسمِهِ دِرهَماً ، وحَرامٌ عَلَى الرّاعي إيصالُ دِرهَمٍ إلَيهِ فَوقَ حَقِّهِ ، فَأَقبَلَ يَخبِطُ البِلادَ بِالظُّلمِ ، ويَطَأُها بِالغَشمِ ، فَمَن بايَعَه

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 116043
صفحه از 684
پرینت  ارسال به