99
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4

بِالنَّفسِ الإِنصافُ مِنها فيما أحبَبتَ وكَرِهتَ .
وأشعِر قَلبَكَ الرَّحمَةَ لِلرَّعِيَّةِ ، وَالمَحَبَّةَ لَهُم ، وَاللُّطفَ بِالإِحسانِ إلَيهِم ، ولا تَكونَنَّ عَلَيهِم سَبُعاً ضارِياً تَغتَنِمُ اُكلَهُم ؛ فَإِنَّهُم صِنفانِ ؛ إمّا أخٌ لَكَ فِي الدّينِ ، وإمّا نَظيرٌ لَكَ فِي الخَلقِ ، يَفرُطُ ۱ مِنهُمُ الزَّلَلَ ، وتَعرِضُ لَهُمُ العِلَلُ ، ويُؤتى على أيديهِم فِي العَمدِ وَالخَطَاَ، فَأَعطِهِم مِن عَفوِكَ وصَفحِكَ مِثلَ الَّذي تُحِبُّ أن يُعطِيَكَ اللّهُ مِن عَفوِهِ ؛ فَإِنَّكَ فَوقَهُم ، ووالِي الأَمرِ عَلَيكَ فَوقَكَ ، وَاللّهُ فَوقَ مَن وَلّاكَ بِما عَرَّفَكَ مِن كِتابِهِ ، وبَصَّرَكَ مِن سُنَنِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله .
عَلَيكَ بِما كَتَبنا لَكَ في عَهدِنا هذا ، لا تَنصِبَنَّ نَفسَكَ لِحَربِ اللّهِ ؛ فَإِنَّهُ لا يَدَ لَكَ بِنِقمَتِهِ ، ولا غِنى بِكَ عَن عَفوِهِ ورَحمَتِهِ . فَلا تنَدَمَنَّ عَلى عَفوٍ ، ولا تَبجَحَنَّ ۲ بِعُقوبَةٍ ، ولا تَسرَعَنَّ إلى بادِرَةٍ ۳ وَجَدتَ عَنها مَندوحَةً ۴ ، ولا تَقولَنَّ : إنّي مُؤَمَّرٌ ؛ آمُرُ فَاُطاعُ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ إدغالٌ ۵ فِي القَلبِ ، ومَنهَكَةٌ ۶ لِلدّينِ ، وتَقَرُّبٌ مِنَ الفِتَنِ ، فَتَعَوَّذ بِاللّهِ مِن دَركِ الشِّقاءِ .
وإذا أعجَبَكَ ما أنتَ فيهِ مِن سُلطانِكَ فَحَدَثَت لَكَ بِهِ اُبَّهَةً أو مَخيلَةً فَانظُر إلى عِظَمِ مُلكِ اللّهِ فَوقَكَ ، وقُدرَتِهِ مِنكَ عَلى ما لا تَقدِرُ عَلَيهِ مِن نَفسِكَ ؛ فَإِنَّ ذلِكَ يُطامِنُ ۷ إلَيك

1.كما في نهج البلاغة ، وفي المصدر : «تفرط» .

2.البَجَح : الفَرَح ، وتبجّح به : فخر ، وفلان يتبجّح : أي يفتخر ويباهي بشيء ما ، وقد بَجِح يَبجحَ (لسان العرب : ج۲ ص۴۰۵ و ۴۰۶) .

3.البادِرَة : الحِدّة ، وهو ما يَبدر من حِدّةِ الرجل عند غضبه من قول أو فعل (لسان العرب : ج۴ ص۴۸) .

4.لي عن هذا الأمر مَندوحة : أي مُتّسعٌ (لسان العرب : ج۲ ص۶۱۳) .

5.أدغلَ في الأمر : أدخل فيه ما يُفسِده ويخالفه (لسان العرب : ج۱۱ ص۲۴۴) .

6.النَّهك : التنقّص (لسان العرب : ج۱۰ ص۴۹۹) .

7.طامَنَ ظهره : إذا حنى ظهره (لسان العرب : ج۱۳ ص۲۶۸) والمراد يُخفض ويسكن .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
98

6 / 4

واجِباتُ مالِكٍ في حُكومَةِ مِصرَ ۱

۲۸۰۱.الإمام عليّ عليه السلامـ في عَهدِهِ إلى مالِكِ الأَشتَرِ حينَ وَلّاهُ مِصرَ وأعمالَها ـ: بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم . هذا ما أمَرَ بِهِ عَبدُ اللّهِ عَلِيٌّ أميرُ المُؤمِنينَ مالِكَ بنَ الحارِثِ الأَشتَرَ في عَهدِهِ إلَيهِ حينَ وَلّاهُ مِصرَ : جِبايَةَ خَراجِها ، ومُجاهَدَةَ عَدُوِّها ، وَاستِصلاحَ أهلِها ، وعِمارَةَ بِلادِها . أمَرَهُ بِتَقوَى اللّهِ ، وإيثارِ طاعَتِهِ ، وَاتِّباعِ ما أمَرَ اللّهُ بِهِ في كِتابِهِ مِن فَرائِضِهِ وسُنَنِهِ الَّتي لا يَسعَدُ أحَدٌ إلّا بِاتِّباعِها ، ولا يَشقى إلّا مَعَ جُحودِها وإضاعَتِها ، وأن يَنصُرَ اللّهَ بِيَدِهِ وقَلبِهِ ولِسانِهِ ؛ فَإِنَّهُ قَد تَكَفَّلَ بِنَصِر مَن نَصَرَهُ ، إنَّهُ قَوِيُّ عَزيزٌ .
وأمَرَهُ أن يكسِرَ مِن نَفسِهِ عِندَ الشَّهَواتِ ؛ فَإِنَّ النَّفسَ أمّارَةٌ بِالسّوءِ إلّا ما رَحِمَ رَبّي ، إنَّ رَبّي غَفورٌ رَحيمٌ . «وأن يَعتَمِدَ كِتابَ اللّهِ عِندَ الشُّبَهاتِ ؛ فَإِنَّ فيهِ تِبيانَ كُلِّ شَيءٍ ، وهُدىً ورَحمَةً لِقَومٍ يُؤمِنونَ . وأن يَتَحرّى رِضَا اللّهِ ، ولا يَتَعَرَّضَ لِسَخَطِهِ ، ولا يُصِرَّ عَلى مَعصِيَتِهِ ، فَإِنَّهُ لا مَلجَأَ مِنَ اللّهِ إلّا إلَيهِ» .
ثُمَّ اعلَم يا مالِكُ أنّي وَجَّهتُكَ إلى بِلادٍ قَد جَرَت عَلَيها دُوَلٌ قَبلَكَ مِن عَدلٍ وجَورٍ ، وأنَّ النّاسَ يَنظُرونَ مِن اُمورِكَ في مِثلِ ما كُنتَ تَنظُرُ فيهِ مِن اُمورِ الوُلاةِ قَبلَكَ ، ويَقولونَ فيكَ ما كنتَ تَقولُ فيهِم ، وإنَّما يُستَدَلُّ عَلَى الصّالِحينَ بِما يُجرِي اللّهُ لَهُم عَلى ألسُنِ عِبادِهِ ، فَليَكُن أحَبَّ الذَّخائِرِ إلَيكَ ذَخيرَةُ العَمَلِ الصّالِحِ «بِالقَصدِ فيما تَجمَعُ وما تَرعى بِهِ رَعِيَّتَكَ» ، فَاملِك هَواكَ ، وشُحَّ بِنَفسِكَ عَمّا لا يَحِلُّ لَكَ ؛ فَإِنَّ الشُّح

1.جاء عهد الإمام عليه السلام إلى مالك الأشتر في نهج البلاغة وتحف العقول ودعائم الإسلام ـ تحت عنوان آخر ـ . وبما أنّ متن تحف العقول أتمّ وأكثر تناسقا فلذا رجّحناه على المصدرين الآخرين ، وقد ميّزنا زيادته بوضع الأقواس« » .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 4
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 115775
صفحه از 684
پرینت  ارسال به