11
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 5

العادِلِ ، وَالوَصِيِّ الوَفِيِّ ، وَالصِّدّيقِ الأَكبَرِ ، إنَّها إحَنٌ ۱ بَدرِيَّةٌ ، وأحقادٌ جاهِلِيَّةٌ ، وضَغائِنُ اُحُدِيَّةٌ ، وَثَبَ بِها مُعاوِيَةُ حينَ الغَفلَةِ ، لِيُدرِكَ بِها ثاراتِ بَني عَبدِ شَمسٍ .
ثُمَّ قالَت : «قَـتِلُواْ أَئمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لآَ أَيْمَـنَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ»۲ ، صَبرا ، مَعشَرَ الأَنصارِ وَالمُهاجِرينَ ، قاتِلوا عَلى بَصيرَةٍ مِن رَبِّكُم ، وثَباتٍ مِن دينِكُم ، وكَأَنّي بِكُم غَدا لَقَد لَقيتُم أهلَ الشّامِ كحُمُرٍ مُستَنفِرَةٍ ، لا تَدري أينَ يُسلَكُ بِها مِن فِجاجِ الأَرضِ ، باعُوا الآخِرَةَ بِالدُّنيا ، وَاشتَرَوُا الضَّلالَةَ بِالهُدى ، وباعُوا البَصيرَةَ بِالعَمى ، عَمّا قَليلٍ لَيُصبِحُنَّ نادِمينَ ، حَتّى تَحُلَّ بِهِمُ النَّدامَةُ ، فَيَطلُبونَ الإِقالَةَ . إنَّهُ وَاللّهِ مَن ضَلَّ عَنِ الحَقِّ وَقَعَ فِي الباطِلِ ، ومَن لَم يَسكُنِ الجَنَّةَ نَزَلَ النّارَ .
أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ الأَكياسَ استَقصَروا عُمُرَ الدُّنيا فَرَفَضوها ، وَاستَبطَأوا مُدَّةَ الآخِرَةِ فَسَعَوا لَها . وَاللّهِ أيُّهَا النّاسُ ! لَولا أن تَبطُلَ الحُقوقُ ، وتُعَطَّلَ الحُدودُ ، ويَظهَرَ الظّالِمونَ وتَقوى كَلِمَةُ الشَّيطانِ لَمَا اختَرنا وُرودَ المَنايا عَلى خَفضِ العَيشِ وطيبِهِ ، فَإِلى أينَ تُريدونَ رَحِمَكُمُ اللّهُ عَنِ ابنِ عَمِّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله وزَوجِ ابنَتِهِ ، وأبِي ابنَيهِ ؟ خُلِقَ مِن طينَتِهِ ، وتَفَرَّعَ مِن نَبعَتِهِ ، وخَصَّهُ بِسِرِّهِ ، وجَعَلَهُ بابَ مَدينَتِهِ وعَلَمَ المُسلِمينَ ، وأبانَ بِبُغضِهِ المُنافِقينَ ، فَلَم يَزَل كَذلِكَ يُؤَيِّدُهُ اللّهُ عَزَّ وجَلَّ بِمَعونَتِهِ ، ويَمضي عَلى سَنَنِ استِقامَتِهِ ، لا يَعرُجُ لِراحَةِ الدَّأبِ .
هاهُوَ مُفَلِّقُ الهامِ ومُكَسِّرُ الأَصنامِ ، إذ صَلّى وَالنّاسُ مُشرِكونَ ، وأطاعَ وَالنّاسُ مُرتابونَ ، فَلَم يَزَل كَذلِكَ حَتّى قَتَلَ مُبارِزي بَدرٍ ، وأفنى أهلَ اُحُدٍ ، وفَرَّقَ جَمعَ هَوازِنَ ، فَيالَها مِن وَقائِعَ زَرَعَت في قُلوبِ قَومٍ نِفاقا ورِدَّةً وشِقاقا ! قَدِ اجتَهَدتُ فِي القَولِ ، وبالَغتُ فِي النَّصيحَةِ ، وبِاللّهِ التَّوفيقُ وعَلَيكُمُ السَّلامُ ورَحمَةُ اللّهِ وبَرَكاتُهُ .

1.جمع إحْنة ؛ الحقد في الصدر (لسان العرب : ج۱۳ ص۸) .

2.التوبة : ۱۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 5
10

قالَت : لَم أكُن وَاللّهِ رَوَّيتُهُ قَبلُ ، ولا زَوَّرتُهُ ۱ بَعدُ ، وإنَّما كانَت كَلِماتٍ نَفَثَهُنَّ لِساني حينَ الصَّدمَةِ ، فَإِن شِئتَ أن اُحَدِّثَ لَكَ مَقالاً غَيرَ ذلِكَ فَعَلتُ .
قالَ : لا أشاءُ ذلِكَ .
ثُمَّ التَفَتَ إلى أصحابِهِ فَقالَ : أيُّكُم حَفِظَ كَلامَ اُمِّ الخَيرِ ؟
قالَ رَجُلٌ مِنَ القَومِ : أنَا أحفَظُهُ يا أميرَ المُؤمِنينَ كَحِفظي سورَةَ الحَمدِ ، قالَ : هاتِهِ .
قالَ : نَعَم ، كَأَنّي بِها يا أميرَ المُؤمِنينَ وعَلَيها بُردٌ زَبيدِيٌّ كَثيفُ الحاشِيَةِ ، وهِيَ عَلى جَمَلٍ أرمَكَ ۲ وقَد اُحيطَ حَولَها حِواءٌ وبِيَدِها سَوطٌ مُنتَشِرٌ الضَّفرِ ، وهِيَ كَالفَحلِ يَهدِرُ في شِقشِقَتِهِ ، تَقولُ : «يَـأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَىْ ءٌ عَظِيمٌ»۳ ، إنَّ اللّهَ قَد أوضَحَ الحَقَّ ، وأبانَ الدَّليلَ ، ونَوَّرَ السَّبيلَ ، ورَفَعَ العَلَمَ ، فَلَم يَدَعكُم في عَمياءَ مُبهَمَةٍ ، ولا سَوداءَ مُدلَهِمَّةٍ ، فَإِلى أينَ تُريدونَ رَحِمَكُم اللّهُ ؟ أفِرارا عَن أميرِ المُؤمِنينَ ، أم فِرارا مِنَ الزَّحفِ ، أم رَغبَةً عَنِ الإِسلامِ ، أمِ ارتِدادا عَنِ الحَقِّ ؟ أ ما سَمِعتُمُ اللّهَ عَزَّ وجَلَّ يَقولُ : «وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَـهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّـبِرِينَ وَ نَبْلُوَاْ أَخْبَارَكُمْ»۴ .
ثُمَّ رَفَعَت رَأسَها إلَى السَّماءِ وهِيَ تَقولُ : «اللّهُمَّ قَد عيلَ الصَّبرُ ، وضَعُفَ اليَقينُ ، وَانتَشَرَ الرُّعبُ ، وبِيَدِكَ يا رَبِّ أزِمَّةُ القُلوبِ ، فَاجمَع إلَيهِ الكَلِمَةَ عَلَى التَّقوى ، وألِّفِ القُلوبَ عَلَى الهُدى ، وَاردُدِ الحَقَّ إلى أهلِهِ» هَلُمّوا ـ رَحِمَكُمُ اللّهُ! ـ إلَى الإِمام

1.التَّزوير : إصلاح الكلام وتهيئته (لسان العرب : ج۴ ص۳۳۷) . تريد أ نّها قالته ارتجالاً .

2.مِن الرُّمكة : لون الرماد ، وقيل : حُمرةٌ يخلطها سواد (لسان العرب : ج۱۰ ص۴۳۴) .

3.الحجّ : ۱ .

4.محمّد : ۳۱ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 5
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 108945
صفحه از 520
پرینت  ارسال به