253
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 5

وسَخَت عَنها نُفوسُ قَومٍ آخَرينَ ، ونِعمَ الحَكَمُ اللّهُ . وما أصنَعُ بِفَدَكٍ وغَيرِ فَدَكٍ ، وَالنَّفسُ مَظانُّها في غَدٍ جَدَثٌ ، تَنقَطِعُ في ظُلمَتِهِ آثارُها ، وتَغيبُ أخبارُها ، وحُفرَةٌ لَو زِيدَ في فُسحَتِها ، وأوسَعَت يَدا حافِرِها ، لَأَضغَطَهَا الحَجَرُ وَالمَدَرُ ، وسَدَّ فُرَجَهَا التُّرابُ المُتَراكِمُ .
وإنَّما هِيَ نَفسي أروضُها بِالتَّقوى ؛ لِتَأتِيَ آمِنَةً يَومَ الخَوفِ الأَكبَرِ ، وتَثبُتَ عَلى جَوانِبِ المَزلَقِ .
ولَو شِئتُ لَاهتَدَيتُ الطَّريقَ إلى مُصَفّى هذَا العَسَلِ ، ولُبابِ هذَا القَمحِ ، ونَسائِجِ هذَا القَزِّ ، ولكِن هَيهاتَ أن يَغلِبَني هَوايَ ، ويَقودَني جَشَعي إلى تَخَيُّرِ الأَطعِمَةِ ، ولَعَلَّ بِالحِجازِ أوِ اليَمامَةِ مَن لا طَمَعَ لَهُ فِي القُرصِ ، ولا عَهدَ لَهُ بِالشِّبَعِ ، أو أبيتَ مِبطانا وحَولي بُطونٌ غَرثى وأكبادٌ حَرّى ، أو أكونَ كَما قالَ القائِلُ :

وحَسبُكَ داءً أن تَبيتَ بِبِطنَةٍ
وحَولَكَ أكبادٌ تَحِنُّ إلَى القِدِّ

أ أَقنَعُ مِن نَفسي بِأَن يُقالَ : هذا أميرُ المُؤمِنينَ ، ولا اُشارِكَهُم في مَكارِهِ الدَّهرِ ، أو أكونَ اُسوَةً لَهُم في جُشوبَةِ العَيشِ ! فَما خُلِقتُ لِيَشغَلَني أكلُ الطَّيِّباتِ ، كَالبَهيمَةِ المَربوطَةِ ؛ هَمُّها عَلَفُها ، أوِ المُرسَلَةِ ؛ شُغُلُها تَقَمُّمُها ، تَكتَرِشُ مِن أعلافِها ، وتَلهو عَمّا يُرادُ بِها ، أو اُترَكَ سُدىً ، أو اُهمَلَ عابِثا ، أو أجُرَّ حَبلَ الضَّلالَةِ ، أو أعتَسِفُ طَريقَ المَتاهَةِ ! . . .
إلَيكِ عَنّي يا دُنيا ، فَحَبلُكِ عَلى غارِبِكِ ، قَدِ انسَلَلتُ مِن مَخالِبِكِ ، وأفلَتُّ مِن حَبائِلِكِ ، وَاجتَنَبتُ الذَّهابَ في مَداحِضِكِ ، أينَ القُرونُ الَّذينَ غَرَرتِهِم بِمَداعِبِكِ ! أينَ الاُمَمُ الَّذينَ فَتَنتِهِم بِزَخارِفِكِ ! فَها هُم رَهائِنُ القُبورِ ، ومَضامينُ اللُّحودِ .
وَاللّهِ لَو كُنتِ شَخصا مَرئِيّا ، وقالِبا حِسِّيّا ، لَأَقَمتُ عَلَيكِ حُدودَ اللّهِ في عِبادٍ غَرَرتِهِم بِالأَمانِيِّ ، واُمَمٍ ألقَيتِهِم فِي المَهاوي ، ومُلوكٍ أسلَمتِهِم إلَى التَّلَفِ ، وأوردَتِهِم


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 5
252

فِي الدُّنيا ، فَجَعَلَكَ لا تَنالُ مِنَ الدُّنيا شَيئا ، ولا تَنالُ الدُّنيا مِنكَ شَيئا ، ووَهَبَ لَكَ حُبَّ المَساكينِ ، فَرَضوا بِكَ إماما ، ورَضيتَ بِهِم أتباعا ، فَطوبى لِمَن أحَبَّكَ وصَدَقَ فيكَ ، ووَيلٌ لِمَن أبغَضَكَ وكَذَبَ عَلَيكَ ؛ فَأَمَّا الَّذينَ أحَبّوا وصَدَقوا فيكَ فَهُم جيرانُكَ في دارِكَ ، ورُفَقاؤُكَ في قَصرِكَ ، وأَمَّا الَّذينَ أبغَضوكَ وكَذَبوا عَلَيكَ فَحَقٌّ عَلَى اللّهِ أن يوقِفَهُم مَوقِفَ الكَذّابينَ يَومَ القِيامَةِ ۱ .

۴۱۹۵.عنه صلى الله عليه و آلهـ لِعَلِيٍّ عليه السلام ـ: إنَّ اللّهَ زَيَّنَكَ بِزينَةٍ لَم يُزَيِّنِ العِبادَ بِشَيءٍ أحَبَّ إلَى اللّهِ مِنها ، ولا أبلَغَ عِندَهُ مِنها ؛ الزُّهدِ فِي الدُّنيا ، وإنَّ اللّهَ قَد أعطاكَ ذلِكَ ، جَعَلَ الدُّنيا لا تَنالُ مِنكَ شَيئا ، وجَعَلَ لَكَ مِن ذلِكَ سيماءَ تُعرَفُ بِها ۲ .

۴۱۹۶.الإمام عليّ عليه السلامـ في كِتابِهِ إلى عامِلِهِ عَلَى البَصرَةِ عُثمانَ بنِ حُنَيفٍ ـ: ألا وإنَّ لِكُلِّ مَأمومٍ إماما يَقتَدي بِهِ ، ويَستَضيءُ بِنورِ عِلمِهِ ، ألا وإنَّ إمامَكُم قَدِ اكتَفى مِن دُنياهُ بِطِمرَيهِ ۳ ، ومِن طُعمِهِ بِقُرصَيهِ ، ألا وإنَّكُم لا تَقدِرونَ عَلى ذلِكَ ، ولكِن أعينوني بِوَرَعٍ وَاجتِهادٍ ، وعِفَّةٍ وسَدادٍ . فَوَاللّهِ ماكَنَزتُ مِن دُنياكُم تِبرا ۴ ، ولَا ادَّخَرتُ مِن غَنائِمِها وَفرا ۵ ، ولا أعدَدتُ لِبالي ثَوبي طِمرا ...
بَلى ! كانَت في أيدينا فَدَكٌ مِن كُلِّ ما أظَلَّتهُ السَّماءُ ، فَشَحَّت عَلَيها نُفوسُ قَومٍ ،

1.تاريخ دمشق : ج۴۲ ص۲۸۱ و ص۲۸۲ نحوه ، اُسد الغابة : ج۴ ص۹۶ ح۳۷۸۹ ، المعجم الأوسط : ج۲ ص۳۳۷ ح۲۱۵۷ ، المناقب للخوارزمي : ص۱۱۶ ح۱۲۶ كلاهما نحوه ، المناقب لابن المغازلي : ص۱۰۶ ح۱۴۸ ، الفردوس : ج۵ ص۳۱۹ ح۸۳۱۱ نحوه وكلاهما إلى «منك شيئا» ؛ الأمالي للطوسي : ص۱۸۱ ح۳۰۳ ، بشارة المصطفى : ص۹۸ ، شرح الأخبار : ج۱ ص۱۵۱ ح۸۷ والثلاثة الأخيرة نحوه وكلّها عن عمّار ، روضة الواعظين : ص۴۷۹ وفيه إلى «من الدنيا شيئا» .

2.المحاسن : ج۱ ص۴۵۴ ح۱۰۴۶ ، مشكاة الأنوار : ص۲۰۷ ح۵۶۰ كلاهما عن أبي أيّوب الأنصاري .

3.الطِّمْر : الثوب الخَلَق (النهاية : ج۳ ص۱۳۸) .

4.التِّبْر : هو الذهب والفضّة قبل أن يُضربا دنانير ودراهم (النهاية : ج۱ ص۱۷۹) .

5.الوَفْر : المال الكثير (النهاية : ج۵ ص۲۱۰) .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 5
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 114006
صفحه از 520
پرینت  ارسال به