137
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6

وأجناسِها ، ومُتَبَلِّدَةِ اُمَمِها وأكياسها ، عَلى إحداثِ بَعوضَةٍ ما قَدَرَت عَلى إحداثِها ، ولا عَرَفَت كَيفَ السَّبيلُ إلى إيجادِها ، ولَتَحَيَّرَت عُقولُها في عِلمِ ذلِكَ وتاهَت ، وعَجَزَت قُواها وتَناهَت ، ورَجَعَت خاسِئَةً حَسيرَةً ، عارِفَةً بِأَنَّها مَقهورَةٌ ، مُقِرَّةً بِالعَجزِ عَن إنشائِها ، مُذعِنَةً بِالضَّعفِ عَن إفنائِها !
وإنَّ اللّهَ سُبحانَهُ يَعودُ بَعدَ فَناءِ الدُّنيا وَحدَهُ لا شَيءَ مَعَهُ . كَما كانَ قَبلَ ابتِدائِها كَذلِكَ يَكونُ بَعدَ فَنائِها ، بِلا وَقتٍ ولا مَكانٍ ، ولا حينٍ ولا زَمانٍ . عُدِمَت عِندَ ذلِكَ الآجالُ وَالأَوقاتُ ، وزالَتِ السِّنونَ وَالسّاعاتُ ، فَلا شَيءَ إلّا اللّهُ الواحِدُ القَهّارُ الَّذي إلَيهِ مَصيرُ جَميعِ الاُمورِ . بِلا قُدرَةٍ مِنها كانَ ابتِداءُ خَلقِها ، وبِغَيرِ امتِناعٍ مِنها كانَ فَناؤُها ، ولَو قَدَرَت عَلَى الِامتِناعِ لَدامَ بَقاؤُها .
لَم يَتَكاءَدهُ ۱ صُنعُ شَيءٍ مِنها إذ صَنَعَهُ ، ولمَ يَؤُدهُ مِنها خَلقُ ما خَلَقَهُ وبَرَأَهُ ، ولَم يُكَوِّنها لِتَشديدِ سُلطانٍ ، ولا لِخَوفٍ مِن زَوالٍ ونُقصانٍ ، ولا لِلِاستِعانَةِ بِها عَلى نِدٍّ مُكاثِرٍ ، ولا لِلِاحتِرازِ بِها مِن ضِدٍّ مُثاوِرٍ ، ولا لِلِازدِيادِ بِها في مُلكِهِ ، ولا لِمُكاثَرَةِ شَريكٍ في شِركِهِ ، ولا لِوَحشَةٍ كانَت مِنهُ ؛ فَأَرادَ أن يَستَأنِسَ إلَيها .
ثُمَّ هُوَ يُفنيها بَعدَ تَكوينِها ، لا لِسَأَمٍ دَخَلَ عَلَيهِ في تَصريفِها وتَدبيرِها ، ولا لِراحَةٍ واصِلَةٍ إلَيهِ ، ولا لثِقَلِ شَيءٍ مِنها عَلَيهِ . لا يُمِلُّهُ طولُ بَقائِها فَيَدعُوَهُ إلى سُرعَةِ إفنائِها ، ولكِنَّهُ سُبحانَهُ دَبَّرَها بِلُطفِهِ ، وأمسَكَها بِأَمرِهِ ، وأتقَنَها بِقُدرَتِهِ ، ثُمَّ يُعيدُها بَعدَ الفَناءِ مِن غَيرِ حاجَةٍ مِنهُ إلَيها ، ولَا استِعانَةٍ بِشَيءٍ مِنها عَلَيها ، ولا لِانصِرافٍ مِن حالِ وَحشَةٍ إلى حالِ استِئناسٍ ، ولا مِن حالِ جَهلٍ وعَمىً إلى حالِ عِلمٍ وَالتِماسٍ ، ولا مِن فَقرٍ وحاجَةٍ إلى غِنىً وكَثرَةٍ ، ولا مِن ذُلٍّ وضَعَةٍ إلى عِزٍّ وقُدرَةٍ ۲ .

1.يتكاءدهُ : أي يَصعب عليه ويَشقّ (النهاية : ج۴ ص۱۳۷) .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸۶ ، بحار الأنوار : ج۷۷ ص۳۱۰ ح۱۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
136

تُهوِيَهُ ، أو أنَّ شَيئا يَحمِلُهُ فَيُميلَهُ أو يُعَدِّلَهُ . لَيسَ فِي الأَشياءِ بِوالِجٍ ، ولا عَنها بِخارِجٍ . يُخبِرُ لا بِلِسانٍ ولَهَواتٍ ، ويَسمَعُ لا بِخُروقٍ وأدَواتٍ . يَقولُ ولا يَلفِظُ ، ويَحفَظُ ولا يَتَحَفَّظُ ، ويُريدُ ولا يُضمِرُ .
يُحِبُّ ويَرضى مِن غَيرِ رِقَّةٍ ، ويُبغِضُ ويَغضَبُ مِن غَيرِ مَشَقَّةٍ . يَقولُ لِمَن أرادَ كَونَهُ : «كُن فَيَكونُ» ، لا بِصَوتٍ يَقرَعُ ، ولا بِنِداءٍ يُسمَعُ ؛ وإنَّما كَلامُهُ سُبحانَهُ فِعلٌ مِنهُ أنشَأَهُ ومَثَّلَهُ ، لَم يَكُن مِن قَبلُ ذلِكَ كائِنا ، ولَو كانَ قَديما لَكانَ إلها ثانِيا .
لا يُقالُ : كانَ بَعدَ أن لَم يَكُن ؛ فَتَجرِيَ عَلَيهِ الصِّفاتُ المُحدَثاتِ ، ولا يَكونُ بَينَها وبَينَهُ فَصلٌ ، ولا لَهُ عَلَيها فَضلٌ ؛ فَيَستَوِيَ الصّانِعُ وَالمَصنوعُ ، ويَتَكافَأَ المُبتَدَعُ وَالبَديعُ . خَلَقَ الخَلائِقَ عَلى غَيرِ مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ ، ولَم يَستَعِن عَلى خَلقِها بِأَحَدٍ مِن خَلقِهِ . وأنشَأَ الأَرضَ فَأَمسَكَها مِن غَيرِ اشتِغالٍ ، وأرساها عَلى غَيرِ قَرارٍ ، وأقامَها بِغَيرِ قَوائِمَ ، ورَفَعَها بِغَيرِ دَعائِمَ ، وحَصَّنَها مِنَ الأَوَدِ وَالِاعوِجاجِ ، ومَنَعَها مِنَ التَّهافُتِ وِالِانفِراجِ . أرسى أوتادَها ، وضَرَبَ أسدادَها ، وَاستَفاضَ عُيونَها ، وخَدَّ أودِيَتَها ، فَلَم يَهِن ما بَناهُ ، ولا ضَعُفَ ما قَوّاهُ .
هُوَ الظّاهِرُ عَلَيها بِسُلطانِهِ وعَظَمَتِهِ ، وهُوَ الباطِنُ لَها بِعِلمِهِ ومَعرِفَتِهِ ، وَالعالي عَلى كُلِّ شَيءٍ مِنها بِجَلالِهِ وعِزَّتِهِ . لا يُعجِزُهُ شَيءٌ مِنها طَلَبَهُ ، ولا يَمتَنِعُ عَلَيهِ فَيَغلِبَهُ ، ولا يَفوتُهُ السَّريعُ مِنها فَيَسبِقَهُ ، ولا يَحتاجُ إلى ذي مالٍ فَيَرزُقَهُ . خَضَعَتِ الأَشياءُ لَهُ ، وذَلَّت مُستَكينَةً لِعَظَمَتِهِ ، لا تَستَطيعُ الهَرَبَ مِن سُلطانِهِ إلى غَيرِهِ فَتَمتَنِعَ مِن نَفعِهِ وضَرِّهِ ، ولا كُف ءَ لَهُ فَيُكافِئَهُ ، ولا نَظيرَ لَهُ فَيُساوِيَهُ . هُوَ المُفني لَها بَعدَ وُجودِها ، حَتّى يَصيرَ مَوجودُها كَمَفقودِها .
ولَيسَ فَناءُ الدُّنيا بَعدَ ابتِداعِها بَأَعجَبَ مِن إنشائِها وَاختِراعِها . وكَيفَ ولَوِ اجتَمَعَ جَميعُ حَيَوانِها مِن طَيرِها وبَهائِمِها ، وما كانَ مِن مُراحِها وسائِمِها ، وأصنافِ أسناخِها

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 102155
صفحه از 496
پرینت  ارسال به