173
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6

5 / 4

الخُفّاش

۵۳۸۴.الإمام عليّ عليه السلام :ومِن لَطائِفِ صَنعَتِهِ وعَجائِبِ خِلقَتِهِ ما أرانا مِن غَوامِضِ الحِكمَةِ في هذِهِ الخَفافيشِ الَّتي يَقبِضُهَا الضِّياءُ الباسِطُ لِكُلِّ شَيءٍ ، ويَبسُطُهَا الظَّلامُ القابِضُ لِكُلِّ حَيٍّ ، وكَيفَ عَشِيَت أعيُنُها عَن أن تَستَمِدَّ مِنَ الشَّمسِ المُضيئَةِ نوراً تَهتَدي بِهِ في مَذاهِبِها ، وتَتَّصِلُ بِعَلانِيَةِ بُرهانِ الشَّمسِ إلى مَعارِفِها . ورَدَعَها بِتَلَألُوَ يائِها عَنِ المُضِيِّ في سُبُحاتِ إشراقِها . وأكَنَّها في مَكامِنِها عَنِ الذَّهابِ في بُلَجِ ائتِلاقِها ، فَهِيَ مُسدَلَةُ الجُفونِ بِالنَّهارِ عَلى حِداقِها . وجاعِلَةُ اللَّيلِ سِراجاً تَستَدِلُّ بِهِ فِي التِماسِ أرزاقِها . فلا يَرُدُّ أبصارَها إسدافُ ظُلمَتِهِ ، ولا تَمتَنِعُ مِنَ المُضِيِّ فيهِ لِغَسَقِ دُجُنَّتِهِ . فَإِذا ألقَتِ الشَّمسُ قِناعَها ، وبَدَت أوضاحُ نَهارِها ، ودَخَلَ مِن إشراقِ نورِها عَلَى الضِّبابِ في وِجارِها ۱ ، أطبَقَتِ الأَجفانَ عَلى مَآقيها ، وتَبَلَّغَت بِمَا اكتَسَبَتهُ مِنَ المَعاشِ في ظُلَمِ لَياليها .
فَسُبحانَ مَن جَعَلَ اللَّيلَ لَها نَهاراً ومَعاشاً ، وَالنَّهارَ سَكَناً وقَراراً ! وجَعَلَ لَها أجنِحَةً مِن لَحمِها تَعرُجُ بِها عِندَ الحاجَةِ إلَى الطَّيَرانِ ، كَأَنَّها شَظايَا الآذانِ ، غَيرَ ذواتِ ريشٍ ولا قَصَبٍ . إلّا أنَّكَ تَرى مَواضِعَ العُروقِ بَيِّنَةً أعلاماً . لَها جَناحانِ لَمّا يَرِقّا فَيَنشَقّا ، ولَم يَغلُظا فَيَثقُلا . تَطيرُ ووَلَدُها لاصِقٌ بِها لاجِئٌ إلَيها يَقَعُ إذا وَقَعَت ويَرتَفِعُ إذَا ارتَفَعَت . لا يُفارِقُها حَتّى تَشتَدَّ أركانُهُ ، ويَحمِلُهُ لِلنُّهوضِ جَناحُهُ ، ويَعرِفُ مَذاهِبَ عَيشِهِ ومَصالِحَ نَفسِهِ . فَسُبحانَ البارِىَ لِكُلِّ شَيءٍ عَلى غَيرِ مِثالٍ خَلا مِن غَيرِهِ ! ۲

1.وجارها : جُحْرُها الذي تَأوي إليه (النهاية : ج۵ ص۱۵۶) .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۵۵ ، بحار الأنوار : ج۶۴ ص۳۲۳ ح۲ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
172

وقَلَّ صِبغٌ إلّا وقَد أخَذَ مِنهُ بِقِسطٍ ، وعَلاهُ بِكَثرَةِ صِقالِهِ وبَريقِهِ وبَصيصِ ديباجِهِ ورَونَقِهِ ، فَهُوَ كَالأَزاهيرِ المَبثوثَةِ لَم تُرَبِّها أمطارُ رَبيعٍ ولا شُموسُ قَيظٍ . وقَد يَنحَسِرُ مِن ريشِهِ ، ويَعرى مِن لباسِهِ ، فَيَسقُطُ تَترى ، ويَنبُتُ تِباعاً ، فَيَنحَتُّ مِن قَصَبِهِ انحِتاتَ أوراقِ الأَغصانِ ، ثُمَّ يَتَلاحَقُ نامِياً حَتى يَعودَ كَهَيئَتِهِ قَبلَ سُقوطِهِ ، لا يُخالِفُ سالِفَ ألوانِهِ ، ولا يَقَعُ لَونٌ في غَيرِ مَكانِهِ ! وإذا تَصَفَّحتَ شَعرَةً مِن شَعَراتِ قَصَبِهِ أرَتكَ حُمرَةً وَردِيَّةً ، وتارَةً خُضرَةً زَبرجَدِيَّةً ، وأحياناً صُفرَةً عَسجَدِيَّةً ۱ . فَكَيفَ تَصِلُ إلى صِفَةِ هذا عَمائِقُ الفِطَنِ ، أو تَبلُغُهُ قَرائِحُ العُقولِ ، أو تَستَنظِمُ وَصفَهُ أقوالُ الواصِفينَ ؟ ! وأقَلُّ أجزائِهِ قَد أعجَزَ الأَوهامَ أن تُدرِكَهُ ، وَالأَلسِنَةَ أن تَصِفَهُ ! فَسُبحانَ الَّذي بَهَرَ العُقولَ عَن وَصفِ خَلقٍ جَلّاهُ لِلعُيونِ فَأَدرَكَته مَحدوداً مُكَوَّناً ، ومُؤَلَّفاً مُلَوَّناً ، وأعجَزَ الأَلسُنَ عَن تَلخيصِ صِفَتِهِ ، وقَعَدَ بِها عَن تَأدِيَةِ نَعتِهِ ! ۲

5 / 3

الجَرادَة

۵۳۸۳.الإمام عليّ عليه السلام :وإن شِئتَ قُلتَ فِي الجَرادَةِ ، إذ خَلَقَ لَها عَينَينِ حَمراوَينِ ، وأسرَجَ لَها حَدقَتَينِ قَمراوَينِ ، وجَعَلَ لَهَا السَّمعَ الخَفِيَّ ، وفَتَحَ لَهَا الفَمَ السَّوِيَّ ، وجَعَلَ لَهَا الحِسَّ القَوِيَّ ، ونابَينِ بِهِما تَقرِضُ ، ومِنجَلَينِ بِهِما تَقبِضُ . يَرهَبُهَا الزُّرّاعُ في زَرعِهِم ، ولا يَستَطيعونَ ذَبَّها ، ولَو أجلَبوا بِجَمعِهِم ، حَتّى تَرِدَ الحَرثَ في نَزَواتِها ، وتَقضِيَ مِنهُ شَهَواتِها . وخَلقُها كُلُّهُ لا يُكَوِّنُ إصبَعاً مُستَدِقَّةً ۳ .

1.العَسجَدُ : الذهب (لسان العرب : ج۳ ص۲۹۰) .

2.نهج البلاغة : الخطبة ۱۶۵ ، بحار الأنوار : ج۶۵ ص۳۰ ح۱ .

3.نهج البلاغة : الخطبة ۱۸۵ ، الاحتجاج : ج۱ ص۴۸۳ ح۱۱۷ ، بحار الأنوار : ج۳ ص۲۷ ح۱ ؛ ربيع الأبرار : ج۴ ص۴۵۹ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 83681
صفحه از 496
پرینت  ارسال به