257
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6

مَدحِهِ في كِتابِ «البَيان وَالتَّبيين» وفي غَيرِهِ مِن كُتُبِهِ ۱ .
وقالَ في ذَيلِ الكِتابِ 35 : اُنظُر إلَى الفَصاحَةِ كَيفَ تُعطي هذَا الرَّجُلَ قِيادَها ، وتُمَلِّكُهُ زِمامَها ، وأعجَبُ لِهذِهِ الأَلفاظِ المَنصوبَةِ ، يَتلو بَعضُها بَعضا كَيفَ تُؤاتيهِ وتُطاوِعُهُ ، سَلِسَةً سَهلَةً ، تَتَدَفَّقُ مِن غَيرِ تَعَسُّفٍ ولا تَكَلُّفٍ، حَتَّى انتَهى إلى آخِرِ الفَصلِ فَقالَ : «يَوما واحِدا ، ولا ألتَقي بِهِم أبَدا» . وأنتَ وغَيرُكَ مِنَ الفُصَحاءِ إذا شَرَعوا في كِتابٍ أو خُطبَةٍ ، جَاءَتِ القَرائِنُ وَالفَواصِلُ تارَةً مَرفوعَةً ، وتارَةً مَجرورَةً ، وتارَةً مَنصوبَةً ، فَإِن أرادوا قَسرَها بِإِعرابٍ واحِدٍ ظَهَرَ مِنها فِي التَّكَلُّفِ أثَرٌ بَيِّنٌ ، وعَلامَةٌ واضِحَةٌ
وهذَا الصِّنفُ مِنَ البَيانِ أحَدُ أنواعِ الإِعجازِ فِي القُرآنِ ، ذَكَرَهُ عَبدُ القاهِرِ قالَ : اُنظُر إلى سورَةِ النِّساءِ وبَعدَها سورَةِ المائِدَةِ ، الاُولى مَنصوبَةُ الفَواصِلِ وَالثّانِيَةُ لَيسَ فيها مَنصوبٌ أصلاً ، ولَو مَزَجتَ إحدَى السّورَتَينِ بِالاُخرى لَم تَمتَزِجا ، وظَهَرَ أثَرُ التَّركيبِ وَالتَّأليفِ بَينَهُما ، ثُمَّ إنَّ فَواصِلَ كُلِّ واحِدٍ مِنهُما تَنساقُ سِياقَةً بِمُقتَضَى البَيانِ الطَّبيعِيِّ لَا الصَّناعَةِ التَّكَلُّفِيَّةِ .
ثُمَّ انظُر إلَى الصِّفاتِ وَالمَوصوفاتِ في هَذا الفَصلِ ، كَيفَ قالَ : وَلَدا ناصِحا ، وعامِلاً كادِحا ، وسَيفا قاطِعا ، ورُكنا دافِعا ، لَو قالَ : وَلَدا كادِحا ، وعامِلاً ناصِحا ، وكَذلِكَ ما بَعدَهُ لَما كانَ صَوابا ولا فِي المَوقِعِ واقِعا .
فَسُبحانَ اللّهِ مِن مَنحِ هذَا الرَّجُلِ هذِهِ المَزايَا النَّفيسَةَ وَالخَصائِصَ الشَّريفَةَ ! أن يَكونَ غُلامٌ مِن أبناءِ عَرَبِ مَكَّةَ يَنشَأُ بَينَ أهلِهِ ، لَم يُخالِطِ الحُكَماءَ وخَرَجَ أعرَفَ بِالحِكمَةِ ودَقائِقِ العُلومِ الإِلهِيَّةِ مِن أفلاطونَ وأرَسطو ! ولَم يُعاشِر أربابَ الحِكَمِ الخُلقِيَّةِ ، وَالآدابِ النَّفسانِيَّةِ ؛ لِأَنَّ قُرَيشا لَم يَكُن أحَدٌ مِنهُم مَشهورا بِمِثلِ ذلِكَ ، وخَرَجَ أعرَفَ بِهذَا البابِ مِن سُقراطَ . ولَم يُرَبَّ بَينَ الشَّجعانِ ؛ لِأَنَّ أهلَ مَكَّةَ كانوا

1.شرح نهج البلاغة : ج۱ ص۲۴ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
256

«الخَصائِصِ» عَلى عِظَمِ قَدرِها وشَرَفِ جَوهَرِها ۱ .
وقالَ في ذَيلِ الخُطبَةِ السّادِسَة عَشَرَةَ : إنَّ في هذَا الكَلامِ الأَدنى مِن مَواقِعِ الإِحسانِ ما لا تَبلُغُهُ مَواقِعَ الاِستِحسانِ ، وإنَّ حَظَّ العَجَبِ مِنهُ أكثَرُ مِن حَظِّ العَجَبِ بِهِ ! وفيهِ ـ مَعَ الحالِ الَّتي وَصَفنا ـ زَوائِدُ مِنَ الفَصاحَةِ لا يَقومُ بِها لِسانٌ ولا يَطَّلِعُ فَجَّها إنسانٌ ، ولا يَعرِفُ ما أقولُ إلّا مَن ضَرَبَ في هذِهِ الصَّناعَةِ بِحَقٍّ ، وجَرى فيها عَلى عِرقٍ «وَ مَا يَعْقِلُهَآ إِلَا الْعَــلِمُونَ»۲ .

۵۶۴۵.ابن أبي الحَديدِ في شَرحِ نَهجِ البَلاغَةِ :وأمَّا الفَصاحَةُ فَهُوَ عليه السلام إمامُ الفُصَحاءِ ، وسَيِّدُ البُلَغاءِ ، وفي كَلامِهِ قيلَ : دونَ كَلامِ الخالِقِ ، وفوقَ كَلامِ المَخلوقينَ . ومِنهُ تَعَلَّمَ النّاسُ الخِطابَةَ وَالكِتابَةَ .
قالَ عَبدُ الحَميدِ بنُ يَحيى : حَفِظتُ سَبعينَ خُطبَةً مِن خُطَبِ الأَصلَعِ ، فَفاضَت ثُمَّ فاضَت .
وقالَ ابنُ نُباتَةَ : حَفِظتُ مِنَ الخِطابَةِ كَنزا لا يَزيدُهُ الإِنفاقُ إلّا سَعَةً وكَثرَةً ، حَفِظتُ مِئَةَ فَصلٍ مِن مَواعِظِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ .
ولَمّا قالَ مِحفَنُ بن أبي مِحفَن لِمُعاوِيَةَ : جِئتُكَ مِن عِندِ أعيَى النّاسِ ، قالَ لَهُ : وَيحَكَ ، كَيفَ يَكونُ أعيَى النّاسِ ! فَوَاللّهِ ما سَنَّ الفَصاحَةَ لِقُرَيشٍ غَيرُهُ .
ويَكفي هذَا الكِتابُ الَّذي نَحنُ شارِحوهُ دَلالةً عَلى أ نَّهُ لا يُجارى فِي الفَصاحَةِ ، ولا يُبارى فِي البَلاغَةِ . وحَسبُكَ أ نَّهُ لَم يُدَوَّن لِأَحَدٍ مِن فُصَحاءِ الصَّحابَةِ العُشرُ ولا نِصفُ العُشرِ مِمّا دُوِّنَ لَهُ ، وكَفاكَ في هذَا البابِ ما يَقولُهُ أبو عُثمانَ الجاحِظُ فى
¨

1.نهج البلاغة : الخطبة ۲۱ وراجع خصائص الأئمّة عليهم السلام : ص۱۱۲ .

2.العنكبوت : ۴۳ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 106607
صفحه از 496
پرینت  ارسال به