259
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6

عَلَيها بِذاتِها ؟ !
قالَ أبو عُثمانَ : فَكانَ جَعفَرٌ يُسَمّيهِ فَصيحَ قُرَيشٍ .
وَاعلَم أ نَّنا لا يَتَخالَجُنا الشَّكُّ في أ نَّهُ عليه السلام أفصَحُ مِن كُلِّ ناطِقٍ بِلُغَةِ العَرَبِ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، إلّا مِن كَلامِ اللّهِ سُبحانَهُ ، وكَلامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ وذلِكَ لِأَنَّ فَضيلَةَ الخَطيبِ وَالكاتِبِ في خِطابَتِهِ وكِتابَتِهِ تَعتَمِدُ عَلى أمرَينِ ،هُما : مُفرَداتُ الأَلفاظِ ومُرَكَّباتُها .
أمَّا المُفرَداتُ : فَأَن تَكونَ سَهلةً ، سَلِسَةً ، غَيرَ وَحشِيَّةٍ ولا مُعَقَّدَةٍ ، وألفاظُهُ عليه السلام كُلُّها كَذلِكَ .
فَأَمَّا المُرَكَّباتُ فَحُسنُ المَعنى ، وسُرعَةُ وُصولِهِ إلَى الأَفهامِ ، وَاشتِمالُهُ عَلىَ الصِّفاتِ الَّتي بِاعتِبارِها فُضِّلَ بَعضُ الكَلامِ عَلى بَعضٍ ، وتِلكَ الصِّفاتُ هِيَ الصَّناعَةُ الَّتي سَمّاهَا المُتَأَخِّرونَ البَديعَ ، مِنَ المُقابَلَةِ والمُطابَقَةِ ، وحُسنِ التَّقسيمِ ، ورَدِّ آخِرِ الكَلامِ عَلى صَدرِهِ ، وَالتَّرصيعِ ، وَالتَّسهيمِ ، وَالتَّوشيحِ ، وَالمُماثَلَةِ ، وَالاستِعارَةِ ، ولَطافَةِ استِعمالِ المَجازِ ، وَالمُوازَنَةِ ، وَالتَكافُوَ ، وَالتَّسميطِ ، وُالمُشاكَلَةِ .
ولا شُبهَةَ أنَّ هذِهِ الصِّفاتِ كُلَّها مَوجودَةٌ في خُطَبِهِ وكُتُبِهِ ، مَبثوثَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ في فُرُشِ كَلامِهِ عليه السلام ، ولَيسَ يوجَدُ هذانِ الأَمرانِ في كَلامِ أحَدٍ غَيرِهِ ، فَإِن كانَ قَد تَعَمَّلَها وأفكَرَ فيها ، وأعمَلَ رَوِيَّتَهُ في رَصفِها ونَثرِها ، فَلَقَد أتى بِالعَجَبِ العُجابِ ، ووَجَبَ أن يَكونَ إمامَ النّاسِ كُلِّهِم في ذلِكَ ، لِأَنَّهُ ابتَكَرَهُ ولَم يَعرِف مَن قَبلَهُ ، وإن كانَ اقتَضَبَها ابتِداءً ، وفاضَت على لِسانِهِ مُرتَجِلَةً ، وجاشَ بِها طَبعُهُ بَديهَةً ، مِن غَيرِ رَوِيَّةٍ ولَا اعتِمالٍ ، فَأَعجَبُ وأعجَبُ !
وعَلى كِلَا الأَمرَينِ فَلَقَد جاءَ مُجَلِّيا ، وَالفُصَحاءُ تَنقَطِعُ أنفاسُهُم عَلى أثَرِهِ . وبِحَقٍّ ما قالَ مُعاوِيَةُ لِمِحفَنٍ الضَّبِّيِّ ، لَمّا قالَ لَهُ : جِئتُكَ مِن عِندِ أعيَى النّاسِ : يَابنَ اللَّخناءِ ،


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
258

ذَوي تِجارَةٍ ولَم يَكونوا ذَوي حَربٍ ، وخَرَجَ أشجَعَ مِن كُلِّ بَشَرٍ مَشى عَلَى الأَرضِ .
قيلَ لِخَلَفٍ الأَحمَرِ : أيُّما أشجَعُ عَنبَسَةُ وبِسطامُ أم عَلِيُّ بنُ أبي طالِبٍ ؟
فَقالَ : إنَّما يُذكَرُ عَنبَسَةُ وبِسطامُ مَعَ البَشَرِ وَالنّاسِ لا مَعَ مَن يَرتَفِعُ عَن هذِهِ الطَّبَقَةِ .
فَقيلَ لَهُ : فَعَلى كُلِّ حالٍ . قالَ : وَاللّهِ لَو صاحَ في وُجوهِهِما لَماتا قَبلَ أن يَحمِلَ عَلَيهِما .
وخَرَجَ أفصَحَ مِن سَحبانِ وقُسٍّ ، ولَم تَكُن قُرَيشٌ بِأَفصَحِ العَرَبِ ، كانَ غَيرُها أفصَحَ مِنها ، قالوا : أفصَحُ العَرَبِ جُرهُمُ وإن لَم تَكُن لَهُم نَباهَةٌ .
وخَرَجَ أزهَدَ النّاسِ فِي الدُّنيا وأعَفَّهُم ، مَعَ أنَّ قُرَيشا ذَوو حِرصٍ ومَحَبَّةٍ لِلدُّنيا ، ولا غَروَ فيمَن كانَ مُحَمَّدٌ صلى الله عليه و آله مُرَبِّيَهُ ومُخرِجَهُ ، وَالعِنايَةُ الإِلهِيَّةُ تَمُدُّهُ وتُرفِدُهُ ، أن يَكونَ مِنهُ ما كانَ ۱ !
وذَكَرَ عَن شَيخِهِ أبي عُثمانَ قالَ : حَدَّثَني ثُمامَةُ ، قالَ : سَمِعتُ جَعفَرَ بنَ يَحيى ـ وكانَ مَن أبلَغِ النّاسِ وأفصَحِهِم ـ يَقولُ : الكِتابَةُ ضَمُّ اللَّفظَةِ إلى اُختِها ، أ لَم تَسمَعوا قولَ شاعِرٍ لِشاعِرٍ وقَد تَفاخرا : أنَا أشعَرُ مِنكَ لِأَنّي أقولُ البَيتَ وأخاهُ ، وأنتَ تَقولُ البَيتَ وابنَ عَمِّهِ ! ثُمَّ قالَ : وناهيكَ حُسنا بِقَولِ عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ عليه السلام : هَل مِن مَناصٍ أو خَلاصٍ ، أو مَعاذٍ أو مَلاذٍ ، أو فِرارٍ أو مَحارٍ ! .
قالَ أبو عُثمانَ : وكانَ جَعفَرٌ يُعجَبُ أيضا بِقَولِ عَلِيٍّ عليه السلام : أينَ مَن جَدَّ واجتَهَدَ ، وجَمَعَ وَاحتَشَدَ ، وبَنى فَشَيَّدَ ، وفَرَشَ فَمَهَّدَ ، وزَخرَفَ فَنَجَّدَ ؟ !
قالَ : ألا تَرى أنَّ كُلَّ لَفظَةٍ مِنها آخِذَةٌ بِعُنُقِ قَرينَتِها ، جاذِبَةٌ إيّاها إلى نَفسِها ، دالَّة

1.شرح نهج البلاغة : ج۱۶ ص۱۴۵ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 106597
صفحه از 496
پرینت  ارسال به