عَلَيها بِذاتِها ؟ !
قالَ أبو عُثمانَ : فَكانَ جَعفَرٌ يُسَمّيهِ فَصيحَ قُرَيشٍ .
وَاعلَم أ نَّنا لا يَتَخالَجُنا الشَّكُّ في أ نَّهُ عليه السلام أفصَحُ مِن كُلِّ ناطِقٍ بِلُغَةِ العَرَبِ مِنَ الأَوَّلينَ وَالآخِرينَ ، إلّا مِن كَلامِ اللّهِ سُبحانَهُ ، وكَلامِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ؛ وذلِكَ لِأَنَّ فَضيلَةَ الخَطيبِ وَالكاتِبِ في خِطابَتِهِ وكِتابَتِهِ تَعتَمِدُ عَلى أمرَينِ ،هُما : مُفرَداتُ الأَلفاظِ ومُرَكَّباتُها .
أمَّا المُفرَداتُ : فَأَن تَكونَ سَهلةً ، سَلِسَةً ، غَيرَ وَحشِيَّةٍ ولا مُعَقَّدَةٍ ، وألفاظُهُ عليه السلام كُلُّها كَذلِكَ .
فَأَمَّا المُرَكَّباتُ فَحُسنُ المَعنى ، وسُرعَةُ وُصولِهِ إلَى الأَفهامِ ، وَاشتِمالُهُ عَلىَ الصِّفاتِ الَّتي بِاعتِبارِها فُضِّلَ بَعضُ الكَلامِ عَلى بَعضٍ ، وتِلكَ الصِّفاتُ هِيَ الصَّناعَةُ الَّتي سَمّاهَا المُتَأَخِّرونَ البَديعَ ، مِنَ المُقابَلَةِ والمُطابَقَةِ ، وحُسنِ التَّقسيمِ ، ورَدِّ آخِرِ الكَلامِ عَلى صَدرِهِ ، وَالتَّرصيعِ ، وَالتَّسهيمِ ، وَالتَّوشيحِ ، وَالمُماثَلَةِ ، وَالاستِعارَةِ ، ولَطافَةِ استِعمالِ المَجازِ ، وَالمُوازَنَةِ ، وَالتَكافُوَ ، وَالتَّسميطِ ، وُالمُشاكَلَةِ .
ولا شُبهَةَ أنَّ هذِهِ الصِّفاتِ كُلَّها مَوجودَةٌ في خُطَبِهِ وكُتُبِهِ ، مَبثوثَةٌ مُتَفَرِّقَةٌ في فُرُشِ كَلامِهِ عليه السلام ، ولَيسَ يوجَدُ هذانِ الأَمرانِ في كَلامِ أحَدٍ غَيرِهِ ، فَإِن كانَ قَد تَعَمَّلَها وأفكَرَ فيها ، وأعمَلَ رَوِيَّتَهُ في رَصفِها ونَثرِها ، فَلَقَد أتى بِالعَجَبِ العُجابِ ، ووَجَبَ أن يَكونَ إمامَ النّاسِ كُلِّهِم في ذلِكَ ، لِأَنَّهُ ابتَكَرَهُ ولَم يَعرِف مَن قَبلَهُ ، وإن كانَ اقتَضَبَها ابتِداءً ، وفاضَت على لِسانِهِ مُرتَجِلَةً ، وجاشَ بِها طَبعُهُ بَديهَةً ، مِن غَيرِ رَوِيَّةٍ ولَا اعتِمالٍ ، فَأَعجَبُ وأعجَبُ !
وعَلى كِلَا الأَمرَينِ فَلَقَد جاءَ مُجَلِّيا ، وَالفُصَحاءُ تَنقَطِعُ أنفاسُهُم عَلى أثَرِهِ . وبِحَقٍّ ما قالَ مُعاوِيَةُ لِمِحفَنٍ الضَّبِّيِّ ، لَمّا قالَ لَهُ : جِئتُكَ مِن عِندِ أعيَى النّاسِ : يَابنَ اللَّخناءِ ،