299
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6

الدّارَ قَد رَجَعَت إلى بَدئِها أيِ الكُفرِ بَعدَ الإِيمانِ . أيُّهَا السّائِلُ فَلا تَغتَرَّنَّ بِكَثرَةِ المَساجِدِ وجَماعَةِ أقوامٍ أجسادُهُم مُجتَمِعَةٌ وقُلوبُهُم شَتّى . أيُّهَا السّائِلُ ، إنَّمَا النّاسُ ثَلاثَةٌ : زاهِدٌ وراغِبٌ وصابِرٌ ، فَأَمّا الزّاهِدُ فَلا يَفرَحُ بِشَيءٍ مِنَ الدُّنيا أتاهُ ولا يَحزَنُ عَلى شَيءٍ مِنها فاتَهُ ، وأمّا الصّابِرُ فَيَتَمَنّاها بِقَلبِهِ فَإِن أدرَكَ مِنها شَيئاً صَرَفَ عَنها نَفسَهُ لِما يَعلَمُ مِن سوءِ عاقِبَتِها ، وأمَّا الرّاغِبُ فَلا يُبالي مِن حِلٍّ أصابَها أم مِن حَرامٍ .
قالَ لَهُ : يا أميرَ المُؤمِنينَ فَما عَلامَةُ المُؤمِنِ في ذلِكَ الزَّمانِ ؟
قالَ : يَنظُرُ إلى ما أوجَبَ اللّهُ عَلَيهِ مِن حَقٍّ فَيَتَوَلّاهُ ، ويَنظُرُ إلى ما خالَفَهُ فَيَتَبَرَّأُ مِنهُ وإن كانَ حَميما قَريباً . قالَ : صَدَقتَ وَاللّهِ يا أميرَ المُومِنينَ . ثُمَّ غابَ الرَّجُلُ فَلَم نَرَهُ فَطَلَبَهُ النّاسُ فَلَم يَجِدوهُ . فَتَبسَّمَ عَلِيٌّ عليه السلام عَلَى المِنبَرِ ثُمَّ قالَ : ما لَكُم هذا أخِي الخَضِرُ عليه السلام .
ثُمَّ قالَ : سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني ، فَلَم يَقُم إلَيهِ أحَدٌ ، فَحَمِدَ اللّهَ وأثنى عَلَيهِ وصَلّى عَلى نَبِيِّهِ صلى الله عليه و آله ، ثُمَّ قالَ لِلحَسَنِ عليه السلام : يا حَسَنُ قُم فَاصعَدِ المِنبَرَ فَتَكَلَّم بِكَلامٍ لا تُجَهِّلُكَ قُرَيشٌ مِن بَعدي ، فَيَقولونَ : إنَّ الحَسَنَ بنَ عَلِيٍّ لا يُحسِنُ شَيئاً .
قالَ الحَسَنُ : عليه السلام يا أبتِ كَيفَ أصعَدُ وأتَكَلَّمُ وأنتَ فِي النّاسِ تَسمَعُ وتَرى ؟
قالَ لَهُ : بِأَبي واُمّي اُواري نَفسي عَنكَ وأسمَعُ وأرى وأنتَ لا تَراني .
فَصَعِدَ الحَسَنُ عليه السلام المِنبَرَ فَحَمِدَ اللّهَ بِمَحامِدَ بَليغَةٍ شَريفَةٍ ، وصَلّى عَلَى النَّبِيِّ وآلِهِ صَلاةً موجَزَةً ، ثُمَّ قالَ : أيُّهَا النّاسُ سَمِعتُ جَدّي رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : أنَا مَدينَةُ العِلمِ وعَلِيٌّ بابُها وهَل تُدخَلُ المَدينَةُ إلّا مِن بابِها ثُمَّ نَزَلَ .
فَوَثَبَ إلَيهِ عَلِيٌّ عليه السلام فَحَمَلَهُ وضَمَّهُ إلى صَدرِهِ ، ثُمَّ قالَ لِلحُسَينِ : يا بُنَيَّ قُم فَاصعَدِ المِنبَرَ وتَكَلَّم بِكَلامٍ لا تُجَهِّلُكَ قُرَيشٌ مِن بَعدي ، فَيَقولونَ : إنَّ الحُسَينَ بنَ عَلِيٍّ لا يُبصِرُ شَيئا ، وَليَكُن كَلامُك تَبَعا لِكَلامِ أخيكَ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
298

ثُمَّ قالَ : سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني ، فَقامَ إلَيهِ الأَشعَثُ بنُ قَيسٍ فَقالَ : يا أميرَ المُؤمِنينَ ، كَيف يُؤخَذُ مِنَ المَجوسِ الجِزيَةَ ولَم يُنزَل عَلَيهِم كِتابٌ ولَم يُبعَث إلَيهِم نَبِيٌّ ؟
قالَ : بَلى يا أشعَثُ قَد أنزَلَ اللّهُ عَلَيهِم كِتاباً وبَعَثَ إلَيهِم رَسولاً ، حَتّى كانَ لَهُم مَلِكٌ سَكِرَ ذاتَ لَيلَةٍ فَدَعا بِابنَتِهِ إلى فِراشِهِ فَارتَكَبَها ، فَلَمّا أصبَحَ تَسامَعَ بِهِ قَومُهُ فَاجتَمَعوا إلى بابِهِ فَقالوا : أيُّهَا المَلِكُ دَنَّستَ عَلَينا دينَنا وأهلَكتَهُ فَاخرُج نُطَهِّركَ ونُقِم عَلَيكَ الحَدَّ .
فَقالَ لَهُم : اِجتَمِعوا وَاسمَعوا كَلامي فَإِن يَكُن لي مَخرَجٌ مِمّا ارتَكَبتُ وإلّا فَشَأنَكُم . فَاجتَمَعوا فَقالَ لَهُم : هَل عَلِمتُم أنَّ اللّهَ لَم يَخلُق خَلقاً أكرَمَ عَلَيهِ مِن أبينا آدَمَ واُمِّنا حَوّاءَ ؟
قالوا : صَدَقتَ أيُّهَا المَلِكُ . قالَ : أفَلَيسَ قَد زَوَّجَ بنيهِ مِن بَناتِهِ وبَناتَهُ مِن بَنيهِ ؟
قالوا : صَدَقتَ هذا هُوَ الدّينُ . فَتَعاقَدوا عَلى ذلِكَ ، فَمَحَا اللّهُ ما في صُدورِهِم مِنَ العِلمِ ، ورَفَعَ عَنهُمُ الكِتابَ ، فَهُمُ الكَفَرَةُ يَدخلونَ النّارَ بِلا حِسابٍ . وَالمُنافِقونَ أشَدُّ حالاً مِنهُم .
قالَ الأَشعَثُ : وَاللّهِ ما سَمِعتُ بِمِثلِ هذَا الجَوابِ ، وَاللّهِ لا عُدتُ إلى مِثلِها أبَدا .
ثُمَّ قالَ : سَلوني قَبلَ أن تَفقِدوني ، فَقامَ إلَيهِ رَجُلٌ مِن أقصَى المَسجِدِ مُتَوَكِّئاً عَلى عَصاهُ ، فَلَم يَزَلَ يَتَخَطَّى النّاسَ حَتّى دَنا مِنهُ فَقالَ : يا أميرَ المُومِنينَ دُلَّني عَلى عَمَلٍ أنَا إذا عَمِلتُهُ نَجّانِيَ اللّهُ مِنَ النّارِ .
قالَ لَهُ : اِسمَع يا هذا ثُمَّ افهَم ثُمَّ استَيقِن ، قامَتِ الدُّنيا بَثَلاثَةٍ : بِعالِمٍ ناطِقٍ مُستَعمِلٍ لِعِلمِهِ ، وبِغَنِيٍّ لا يَبخَلُ بِمالِهِ عَلى أهلِ دينِ اللّهِ ، وبِفَقيرٍ صابِرٍ . فَإِذا كَتَمَ العالِمُ عِلمَهُ وبَخِلَ الغَنِيُّ ولَم يَصبِرِ الفَقيرُ فَعِندَهَا الوَيلُ وَالثُّبورُ ! وعِندَها يَعرِفُ العارِفونَ بِاللّهِ أن

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 82642
صفحه از 496
پرینت  ارسال به