467
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6

فَدَعَت بِطيبٍ فَطَيَّبَت لِحيَتَهُ ، فَقالَ لَها : أما إنَّها سَتُخضَبُ بِدَمٍ .
فَقالَت : مَن أنبَأَكَ هذَا ؟ قالَ : أنبَأَني سَيِّدي .
فَبَكَت اُمُّ سَلَمَةَ ، وقالَت لَهُ : إنَّهُ لَيسَ بِسَيِّدِكَ وَحدَكَ ؛ هُوَ سَيِّدي وسَيِّدُ المُسلِمينَ ، ثُمَّ وَدَّعَتهُ . فَقَدِمَ الكوفَةَ ، فَاُخِذَ واُدخِلَ عَلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زيادٍ . وقيلَ لَهُ : هذَا كانَ مِن آثَرِ النّاسِ عِندَ أبي تُرابٍ . قالَ : ويحَكُم ! هذَا الأَعجَمِيُّ ؟ ! قالوا : نَعَم .
فَقالَ لَهُ عُبَيدُ اللّهِ : أينَ رَبُّكَ ؟ قالَ : بِالمِرصادِ .
قالَ : قَد بَلَغَنِي اختصاصُ أبي تُرابٍ لَكَ ! قالَ : قَد كانَ بَعضُ ذلِكَ ، فَما تُريدُ ؟
قالَ : وإنَّهُ لَيُقالُ إنَّهُ قَد أخبَرَكَ بِما سَيَلقاكَ . قالَ : نَعَم ، إنَّهُ أخبَرَني .
قالَ : مَا الَّذي أخبَرَكَ أ نّي صانِعٌ بِكَ ؟ قالَ : أخبَرَني أ نَّكَ تَصلُبُني عاشِرَ عَشَرَةٍ وأنَا أقصَرُهُم خَشَبَةً ، وأقرَبُهُم مِنَ المُطَهِّرَةِ . قالَ : لاُخالِفَنَّهُ .
قالَ : وَيحَكَ ! كَيفَ تُخالِفُهُ ؟ ! إنَّما أخبَرَ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، وأخبَرَ رَسولُ اللّهِ عَن جِبرائيلَ ، وأخبَرَ جِبرائيلُ عَنِ اللّهِ ، فَكَيفَ تُخالِفُ هؤُلاءِ ؟ ! أمَا وَاللّهِ لَقَد عَرَفتُ المَوضِعَ الَّذي اُصلَبُ فيهِ أينَ هُوَ مِنَ الكوفَةِ ، وإنّي لَأَوَّلُ خَلقِ اللّهِ اُلجَمُ في الإِسلامِ بِلِجامٍ كَما يُلجَمُ الخَيلُ .
فَحَبَسَهُ وحَبَسَ مَعَهُ المُختارَ بنَ أبي عُبَيدَةَ الثَّقَفِيَّ ، فَقالَ ميثَمٌ لِلمُختارِ ـ وهُما في حَبسِ ابنِ زِيادٍ ـ : إنَّكَ تُفلِتُ وتَخرُجُ ثائِرا بِدَمِ الحُسَينِ عليه السلام ، فَتَقتُلُ هذَا الجَبّارَ الَّذي نَحنُ في سِجنِهِ ، وتَطَأُ بِقَدَمِكَ هذِهِ عَلى جَبهَتِهِ وخَدَّيهِ .
فَلَمّا دَعا عُبَيدُ اللّهِ بنُ زِيادٍ بِالمُختارِ لِيَقتُلَهُ طَلَعَ البَريدُ بِكتابِ يَزيدَ بنِ مُعاوِيَةَ إلى عُبَيدِ اللّهِ بنِ زَيادٍ ، يَأمُرُهُ بِتَخلِيَةِ سَبيلِهِ ، وذاكَ أنَّ اُختَهُ كانَت تَحتَ عَبدِ اللّهِ بنِ عُمَرَ بنِ الخَطّابِ ، فَسَأَلَت بَعلَها أن يَشفَعَ فيهِ إلى يَزيدَ فَشَفَعَ ، فَأمضى شَفاعَتَهُ ، وكَتَبَ بِتَخلِيَةِ سَبيلِ المُختارِ عَلَى البَريدِ ، فَوافَى البَريدُ وقَد اُخرِجَ لِيُضرَبَ عُنُقُهُ ، فَاُطلِقَ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
466

عَلِيّا عليه السلام في ذلِكَ إلَى المَخرَقَةِ وَالإيهامِ وَالتَّدليسِ ، حَتّى قالَ لَهُ يَوما بِمَحضَرٍ مِن خَلقٍ كَثيرٍ مِن أصحابِهِ ، وفيهِمُ الشّاكُّ وَالمُخلِصُ :
يا ميثَمُ ، إنَّكَ تُؤخَذُ بَعدي وتُصلَبُ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّانِي ابتَدَرَ مَنخَراكَ وفَمُكَ دَما ، حَتّى تُخضَبَ لِحيَتُكَ ، فَإِذا كانَ اليَومُ الثّالِثُ طُعِنتَ بِحَربَةٍ يُقضى عَلَيكَ ، فَانتَظِر ذلِكَ . وَالمَوضِعُ الَّذي تُصلَبُ فيهِ عَلى بابِ دارِ عَمرِو بنِ حُرَيثٍ ؛ إنَّكَ لَعاشِرُ عَشَرَةٍ أنتَ أقصَرُهُم خَشَبَةً ، وأقرَبُهُم مِنَ المُطَهِّرَةِ ـ يَعني الأَرضَ ـ ولَاُرِيَنَّكَ النَّخلَةَ الَّتي تُصلَبُ عَلى جِذعِها .
ثُمَّ أراهُ إيّاها بَعدَ ذلِكَ بِيَومَينِ ، وكانَ ميثمٌ يَأتيها ، فَيُصَلّي عِندَها ، ويَقولُ : بورِكتِ مِن نَخلَةٍ ، لَكِ خُلِقتُ ، ولي نَبَتِّ ، فَلَم يَزَل يَتَعاهَدُها بَعدَ قَتلِ عَلِيٍّ عليه السلام ، حَتّى قُطِعَت ، فَكانَ يَرصُدُ جِذعَها ، ويَتعاهَدُهُ ويَتَرَدَّدُ إلَيهِ ، ويُبصِرُهُ ، وكانَ يَلقى عَمرَو بنَ حُرَيثٍ ، فَيَقولُ لَهُ :
إنّي مُجاوِرُكَ فَأَحسِن جِواري . فَلا يَعلَمُ عَمرٌو ما يُريدُ ، فَيَقولُ لَهُ : أ تُريدُ أن تَشتَرِيَ دارَ ابنِ مَسعودٍ ، أم دارَ ابنِ حكيمٍ ؟ !
قالَ : وحَجَّ فِي السَّنَةِ الَّتي قُتِلَ فيها ، فَدَخَلَ عَلى اُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللّهُ عَنها ، فَقالَت لَهُ : مَن أنتَ ؟ ! قالَ : عِراقِيٌ . فَاستَنسَبَتهُ ، فَذَكَرَ لَها أ نَّهُ مَولى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ . فَقالَت : أنتَ هَيثَمٌ . قالَ : بَل أنَا ميثَمٌ .
فَقالَت : سُبحانَ اللّهِ ! وَاللّهِ لَرُبَّما سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يوصي بِكَ عَلِيّا في جَوفِ اللَّيلِ .
فَسَأَلَها عَنِ الحُسَينِ بنِ عَلِيٍّ ، فَقالَت : هُوَ في حائِطٍ لَهُ ، قالَ :
أخبِريهِ أ نّي قَد أحبَبتُ السَّلامَ عَلَيهِ ، ونَحنُ مُلتَقونَ عِندَ رَبِّ العالَمينَ إن شاءَ اللّهُ ، ولا أقدِرُ اليَومَ عَلى لِقائِهِ ، واُريدُ الرُّجوعَ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 101939
صفحه از 496
پرینت  ارسال به