9
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6

عجيب هو علم الإمام ، يُثير التأمّل في مدياته الممتدّة الذهول والحيرى . إذا رام القلم أن يخطّ من هذا العلم حقيقة واحدة سرعان ما يتراءى أمامه بحر زخّار تتدافع أمواجه ، وتتباعد المسافة بين شُطّانه حتى تبلغ المدى الأقصى . بحر لا ينزف هو علم الإمام ، تتراكب أمواجه موج فوقه موج ، شواطئ ممتدّة على الاُفق دون نهاية ، وقعر ليس له قرار .
أنّى للقلم أن يرقى إلى بيان علمه وهو «باب علم» النبيّ و«حكمته» ، وأنّى للكلمات أن تتسلّق إلى ذراه وهو «خزانة علم النبيّ» وجميع النبيّين .
ثمّ كيف يقدر القلم أن يواكب علم عليّ عليه السلام ، وفي مدى هذا العلم اجتمعت جميع العلوم القرآنيّة ، والمعارف الدينيّة ، وعلم المنايا والبلايا ؛ وقد كان صاحب العلم ينظر إلى الماضي والحاضر كما ينظر إلى الذي بين يديه ، يتبدّى له كما تتبدّى الشمس في رابعة النهار !
«عِلْمُ الْكِتَـبِ»۱ كلّه كان عند عليّ بن أبي طالب عليه السلام بنصّ الروايات ، ولم يكن عند آصف بن برخيّا من هذا العلم إلّا شيئاً منه «عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَـبِ»۲ وقد استطاع أن يُحضِر عرش بلقيس عند سليمان عليه السلام من مسافة بعيدة بأقلّ من طرفة عين . وعندئذٍ ينبغي التأمّل ببصيرة وفكر في هذا العلم «علم من الكتاب» مقارنة بذلك العلم «علم الكتاب» لنتصوّر الفارق بين الاثنين ، وفيما إذا كان بمقدور الكلمات والصفحات والأقلام أن ترقى إلى بيان علم عليّ عليه السلام مهما بلغت ، أو تومئ إلى أبعاده !
كان علم الإمام من السعة بحيث أنّ شعاعاً واحداً منه لو تبلّج لكان حريّاً أن يُبهر

1.الرعد : ۴۳ .

2.النمل : ۴۰ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
8

المدخل

يختصّ هذا القسم بدراسة المدى الذي يَترامى على أطرافه علم الإمام أمير المؤمنين عليه السلام ؛ إذ يتوفّر من جهة على متابعة الجهود النبويّة الحثيثة التي بذلها رسول اللّه صلى الله عليه و آله في تنشئة الإمام معرفيّاً وإعداده علميّاً ، كما يومئ من جهة اُخرى إلى الاستعداد العظيم الذي كان يتحلّى به الإمام وسعته الوجوديّة وما بذله في التعلّم من رسول اللّه صلى الله عليه و آله والتلقّي منه ، ومن ثمّ يكشف بالضرورة عن الموقع الشاهق الذي يحظى به الإمام علميّاً وهيمنته المذهلة على العلوم .
إنّ متابعة هذا المسار ، والتأمّل في فصول القسم الحادي عشر يجذب الباحث بقوّة إلى علم الإمام ، ويدفعه بشوق كي يطلّ على قبسات من علومه الممتدّة ، ويطمح ببصره تلقاء رشفات من بحره الزخّار . من هنا جاء هذا القسم وهو يشتمل على قبسات من علمه كاستجابة طبيعيّة لذلك التطلّع ، كما يظهر ذلك جليّاً من التدقيق في الفصول التي تنتظم القسم.
مع ذلك ليست هذه الجولة سوى غيض من فيض ، وإن هي إلّا إضمامة متواضعة على هذا السبيل ، وهي جهد المقلّ في بيانِ محضِ أمثلةٍ من ينبوع العلم العلوي ، كما نؤكّد أنّه لايمثّل إلّا شطراً ضئيلاً ممّا وصلَنا من المعرفة العلويّة ، على أنّ ما وصلنا لايمثّل بدوره سوى شطر ضئيل أيضاً ممّا بادر إلى بيانه الإمام، وأعلنه على الاُمّة ، ثمّ ضاع ولم يصلنا خبره أو مادّته وأثره لعوامل متعدّدة ذُكرت في مظانّها.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 6
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 81830
صفحه از 496
پرینت  ارسال به