203
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7

كلام في خيبة أعدائه

رَوى ابنُ أبِي الحَديدِ عَن شَيخِهِ أبي جَعفَرٍ الإسكافِيِّ أنَّهُ قالَ : لَولا ما غَلَبَ عَلَى النّاسِ مِنَ الجَهلِ وحُبِّ التَّقليدِ ؛ لَم نَحتَج إلى نقَضِ مَا احتَجَّتِ بِهِ العُثمانِيَّةُ ، فَقَد عَلِمَ النّاسُ كافَّةً أنَّ الدَّولَةَ وَالسُّلطانَ لِأَربابِ مَقالَتِهِم ، وعَرَفَ كُلُّ أحدٍ عُلُوَّ أقدارِ شُيوخِهِم وعُلَمائِهِم واُمَرائِهِم ، وظُهورَ كَلِمَتِهِم ، وقَهرَ سُلطانِهِم ، وَارتِفاعَ التَّقِيَّةِ عَنهُم ، وَالكَرامَةَ وَالجائِزَةَ لِمَن رَوَى الأَخبارَ وَالأَحاديثَ في فَضلِ أبي بَكرٍ ، وما كانَ مِن تَأكيدِ بَني اُمَيَّةَ لِذلِكَ ، وما وَلَّدَهُ المُحَدِّثونَ مِنَ الأَحاديثِ طَلَبا لَما في أيديهِم ، فَكانوا لا يَألونَ جُهدا في طولِ ما مَلَكوا أن يُخمِلوا ذِكرَ عَلِيٍّ عليه السلام ووُلدِهِ ، ويُطفِئوا نورَهُم ، ويَكتُموا فَضائِلَهُم ومَناقِبَهُم وسَوابِقَهُم ، ويَحمِلوا عَلى شَتمِهِم وسَبِّهِم ولَعنِهِم عَلَى المَنابِرِ .
فَلَم يَزَلِ السَّيفُ يَقطُرُ مِن دِمائِهِم ، مَعَ قِلَّةِ عَدَدِهِم وكَثرَةِ عَدُوِّهِم ؛ فَكانوا بَينَ قَتيلٍ وأسيرٍ ، وشَريدٍ وهارِبٍ ، ومُستَخفٍ ذَليلٍ ، وخائِفٍ مُتَرقِّبٍ ، حَتّى إنَّ الفَقيهَ وَالمُحَدِّثَ وَالقاضِيَ وَالمُتَكَلِّمَ ، لَيُتَقَدَّمُ إلَيهِ ويُتَوَعَّدُ بِغايَةِ الإيعادِ وأشَدِّ العُقوبَةِ ، أن يَذكُروا شَيئا مِن فَضائِلِهِم ، ولا يُرَخِّصوا لِأَحَدٍ أن يُطيفَ بِهِم .
وحَتّى بَلَغَ مِن تَقِيَّةِ المُحَدِّثِ أنَّهُ إذا ذَكَرَ حَديثا عَن عَلِيٍّ عليه السلام كَنَى عَن ذِكرِهِ ، فَقالَ : قالَ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ ؛ وفَعَلَ رَجُلٌ مِن قُرَيشٍ ، ولا يَذكُرُ عَلِيّا عليه السلام ، ولا يَتَفَوَّهُ بِاسمِهِ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
202

قالوا : هُوَ أوَّلُ مَن جارَ فِي الحُكمِ ، وعَمِلَ بِغَيرِ الحَقِّ .
فَقالَ أصحابُ مُعاوِيَةَ : أميرُ المُؤمِنينَ كانَ أعلمُ بِكُم ، ثُمَّ قاموا إلَيهِم فَقالوا : تَبرَؤونَ مِن هذَا الرَّجُلِ ؟
قالوا : بَل نَتَوَلّاهُ وَنَتَبَرَّأُ مِمَّن تَبَرَّأَ مِنهُ .
فَأَخَذَ كُلُّ رَجُلٍ مِنهُم رَجُلاً لِيَقتُلَهُ ، ووَقَعَ قَبيصَةُ بنُ ضُبَيعَةَ في يَدَي أبي شَريفٍ البَدّيِّ ، فَقالَ لَهُ قَبيصَةُ : إنَّ الشَّرَّ بَينَ قَومي وقَومِكَ آمِنٌ ، فَليَقتُلني سِواكَ ، فَقالَ لَهُ : بَرَّتكَ رَحِمٌ ! فَأَخَذَ الحَضرَمِيَّ فَقَتَلَهُ ، وقَتَلَ القُضاعِيُّ قَبيصَةَ بنَ ضُبَيعَةَ .
قالَ : ثُمَّ إنَّ حُجرا قالَ لَهُم : دَعوني أتَوَضَّأُ ، قالوا لَهُ : تَوَضَّأ ، فَلَمّا أن تَوَضَّأَ قالَ لَهُم : دَعوني اُصَلّي رَكعَتَينِ ، فَاَيمُنُ اللّهِ ما تَوَضَّأتُ قَطُّ إلّا صَلَّيتُ رَكعَتَينِ .
قالوا : لِتصُلَِّ .
فَصَلّى ثُمَّ انصَرَفَ فَقالَ : وَاللّهِ ما صَلَّيتُ صَلاةً قَطُّ أقصَرَ مِنها ، ولَولا أن تَرَوا أنَّ ما بي جَزَعٌ مِنَ المَوتِ لَأَحبَبتُ أن أستَكثِرَ مِنها ، ثُمَّ قالَ : اللّهُمَّ إنّا نَستَعديكَ عَلى اُمَّتِنا ، فَإِنَّ أهلَ الكوفَةِ شَهِدوا عَلَينا ، وإنَّ أهَلَ الشّامِ يَقتُلونَنا ، أمَا وَاللّهِ لَئِن قَتَلتُموني بِها إنّي لَأَوَّلُ فارِسٍ مِنَ المُسلِمين هَلَكَ في واديها ، وأوَّلُ رَجُلٍ مِنَ المُسلِمينَ نَبَحَتهُ كِلابُها .
فَمَشى إلَيهِ الأَعوَرُ هُدبَةُ بنُ فَيّاضٍ بِالسَّيفِ ، فَاُرعِدَت خَصائِلُهُ ، فَقالَ : كَلّا ، زَعَمتَ أنَّكَ لا تَجزَعُ مِنَ المَوتِ ، فَأنَا أدَعُكَ فَابرَأ مِن صاحِبِكَ .
فَقالَ : ما لي لا أجزَعُ وأنا أرى قَبرا مَحفورا ، وكَفَنا مَنشورا ، وسَيفا مَشهورا ، وإنّي وَاللّهِ إن جَزِعتُ مِنَ القَتلِ لا أقولُ ما يُسخِطُ الرَّبَّ . فَقَتَلَهُ ، وأقبَلوا يَقتُلونَهُم واحِدا واحِدا حَتّى قَتَلوا سِتَّةً ۱ .

راجع : ص309 (رشيد الهَجَري) .

1.تاريخ الطبري : ج۵ ص۲۷۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۹۷ نحوه وراجع أنساب الأشراف : ج۵ ص۲۶۶ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 68484
صفحه از 532
پرینت  ارسال به