وكان إبعاد أبي ذرّ أحد ممهّدات الثورة على عثمان ۱ . وذهب هذا الرجل العظيم إلى الربذة رضيّ الضمير ؛ لأنّه لم يتنصّل عن مسؤوليّته في قول الحقّ ، لكنّ قلبه كان مليئاً بالألم ؛ إذ تُرك وحده ، وفُصل عن مرقد حبيبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
يقول عبد اللّه بن حواش الكعبي : رأيتُ أبا ذرّ في الربذة وهو جالس وحده في ظلّ سقيفةٍ ، فقلت : يا أبا ذرّ !وحدك !
فقال : كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر شعاري ، وقول الحقّ سيرتي ، وهذا ما ترك لي رفيقاً .
توفّي أبو ذرّ سنة 32 ه ۲ . وتحقّق ما كان يراه النّبيّ صلى الله عليه و آله في مرآة الزمان ، وما كان يقوله فيه ، وكان قد قال صلى الله عليه و آله : «يَرحَمُ اللّهُ أبا ذَرٍّ ، يَعيشُ وَحدَهُ ، ويَموتُ وَحدَهُ ، ويُحشَرُ وَحدَهُ» ۳ .
ووصل جماعة من المؤمنين فيهم مالك الأشتر بعد وفاة ذلك الصحابيّ الكبير القائل الحقّ في زمانه ، ووسّدوا جسده النّحيف الثرى باحترام وتبجيل ۴ . ۵
1.راجع : ج۲ ص۱۵۸ (نفي أبي ذرّ) .
2.المستدرك على الصحيحين : ج۳ ص۳۸۱ ح۵۴۵۱ ، سير أعلام النّبلاء : ج۲ ص۷۴ الرقم ۱۰ ؛ رجال الطوسي : ص۳۲ الرقم ۱۴۳ وفيه «مات في زمن عثمان بالربذة» .
3.الإصابة : ج۷ ص۱۰۹، كنز العمّال : ج۱۱ ص۶۴۴ ح۳۳۱۳۲؛ رجال الكشي: ج۱ ص۹۸ الرقم ۴۸، بحار الأنوار: ج۲۲ ص۳۴۳ ح۲ كلّها نحوه .
4.المستدرك على الصحيحين : ج۳ ص۳۸۸ ح۵۴۷۰ ، الطبقات الكبرى : ج۴ ص۲۳۴ ، سير أعلام النّبلاء : ج۲ ص۷۷ ح۱۰ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۰۸ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۲۶۴ ؛ رجال الكشّي : ج۱ ص۲۸۳ الرقم ۱۱۸ .
5.المشهور إنّ أبا ذرّ انتهج اُسلوب كشف المساوئ والبدع في أيّام عثمان ، كما كان يذكّر بوجود الظلم والتمييز والتكتّل. من هنا لم تتحمّل الحكومة وجوده في المدينة، فنفته إلى الشام . وفيها واصل اُسلوبه وفضح معاوية وكشف قبائحه . فشكاه معاوية إلى عثمان ، فردّه إلى المدينة ، ثمّ أبعده إلى الربذة ... .
بَيْد أنّ بعض الباحثين ذهب إلى أنّه مكث طويلاً في الشام ، اهتداءً ببعض الوثائق التاريخيّة ، ومقايسة أخبار متنوّعة في هذا المجال . أي : إنّه توجّه إلى الشام بعد موت أبي بكر ، وبذر فيها التشيّع . راجع : كتاب «أبو ذرّ الغفاري» لمحمّد جواد آل الفقيه : ص۶۵ .