229
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7

وكان إبعاد أبي ذرّ أحد ممهّدات الثورة على عثمان ۱ . وذهب هذا الرجل العظيم إلى الربذة رضيّ الضمير ؛ لأنّه لم يتنصّل عن مسؤوليّته في قول الحقّ ، لكنّ قلبه كان مليئاً بالألم ؛ إذ تُرك وحده ، وفُصل عن مرقد حبيبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
يقول عبد اللّه بن حواش الكعبي : رأيتُ أبا ذرّ في الربذة وهو جالس وحده في ظلّ سقيفةٍ ، فقلت : يا أبا ذرّ !وحدك !
فقال : كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر شعاري ، وقول الحقّ سيرتي ، وهذا ما ترك لي رفيقاً .
توفّي أبو ذرّ سنة 32 ه ۲ . وتحقّق ما كان يراه النّبيّ صلى الله عليه و آله في مرآة الزمان ، وما كان يقوله فيه ، وكان قد قال صلى الله عليه و آله : «يَرحَمُ اللّهُ أبا ذَرٍّ ، يَعيشُ وَحدَهُ ، ويَموتُ وَحدَهُ ، ويُحشَرُ وَحدَهُ» ۳ .
ووصل جماعة من المؤمنين فيهم مالك الأشتر بعد وفاة ذلك الصحابيّ الكبير القائل الحقّ في زمانه ، ووسّدوا جسده النّحيف الثرى باحترام وتبجيل ۴ . ۵

1.راجع : ج۲ ص۱۵۸ (نفي أبي ذرّ) .

2.المستدرك على الصحيحين : ج۳ ص۳۸۱ ح۵۴۵۱ ، سير أعلام النّبلاء : ج۲ ص۷۴ الرقم ۱۰ ؛ رجال الطوسي : ص۳۲ الرقم ۱۴۳ وفيه «مات في زمن عثمان بالربذة» .

3.الإصابة : ج۷ ص۱۰۹، كنز العمّال : ج۱۱ ص۶۴۴ ح۳۳۱۳۲؛ رجال الكشي: ج۱ ص۹۸ الرقم ۴۸، بحار الأنوار: ج۲۲ ص۳۴۳ ح۲ كلّها نحوه .

4.المستدرك على الصحيحين : ج۳ ص۳۸۸ ح۵۴۷۰ ، الطبقات الكبرى : ج۴ ص۲۳۴ ، سير أعلام النّبلاء : ج۲ ص۷۷ ح۱۰ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۳۰۸ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۲۶۴ ؛ رجال الكشّي : ج۱ ص۲۸۳ الرقم ۱۱۸ .

5.المشهور إنّ أبا ذرّ انتهج اُسلوب كشف المساوئ والبدع في أيّام عثمان ، كما كان يذكّر بوجود الظلم والتمييز والتكتّل. من هنا لم تتحمّل الحكومة وجوده في المدينة، فنفته إلى الشام . وفيها واصل اُسلوبه وفضح معاوية وكشف قبائحه . فشكاه معاوية إلى عثمان ، فردّه إلى المدينة ، ثمّ أبعده إلى الربذة ... . بَيْد أنّ بعض الباحثين ذهب إلى أنّه مكث طويلاً في الشام ، اهتداءً ببعض الوثائق التاريخيّة ، ومقايسة أخبار متنوّعة في هذا المجال . أي : إنّه توجّه إلى الشام بعد موت أبي بكر ، وبذر فيها التشيّع . راجع : كتاب «أبو ذرّ الغفاري» لمحمّد جواد آل الفقيه : ص۶۵ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
228

القياصرة ، ضارباً بأحكام الإسلام عرض الجدار ، فأقضّت صيحات أبي ذرّ مضجعه ۱ . فكتب إلى عثمان يخبره باضطراب الشام عليه إذا بقي فيها أبو ذرّ ، فأمر بردّه إلى المدينة ۲ ، وأرجعوه إليها على أسوأ حال .
وقدم أبو ذرّ المدينة ، لكن لا سياسة عثمان تغيّرت ، ولا موقف أبي ذرّ منه ، فالاحتجاج كان قائماً ، والصيحات مستمرّة ، وقول الحقّ متواصلاً ، وكشف المساوئ لم يتوقّف . ولمّا لم يُجْدِ الترغيب والترهيب معه ، غيّرت الحكومة اُسلوبها منه ، وما هو إلّا الإبعاد ، لكنّه هذه المرّة إلى الرَّبَذة ۳ ، وهي صحراء قاحلة حارقة ، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته ۴ . ولم يتحمّل أمير المؤمنين عليه السلام هذه التعاليم الجائرة ، فخرج مع أبنائه وعدد من الصحابة لتوديعه ۵ .
وله كلام عظيم خاطبه به وبيّن فيه ظُلامته ۶ . وتكلّم من كان معه أيضاً ليعلم النّاس أنّ الَّذي أبعد هذا الصحابي الجليل إلى الربذة هو قول الحقّ ومقارعة الظلم لا غيرها ۷ .

1.أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۶۷ ، شرح نهج البلاغة : ج۸ ص۲۵۶ ح۱۳۰ ؛ الشافي : ج۴ ص۲۹۴ .

2.الطبقات الكبرى : ج۴ ص۲۲۶ ، أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۶۷ ، سير أعلام النّبلاء : ج۲ ص۶۳ الرقم ۱۰ ، تاريخ الطبري : ج۴ ص۲۸۳ ؛ الأمالي للمفيد : ص۱۶۲ ح۴ .

3.الكافي : ج۸ ص۲۰۶ ح۲۵۱ ، الأمالي للمفيد : ص۱۶۴ ح۴ ؛ أنساب الأشراف : ج۶ ص۱۶۷ ، الطبقات الكبرى : ج۴ ص۲۲۷ .

4.مروج الذهب : ج۲ ص۳۵۱ ، شرح نهج البلاغة : ج۸ ص۲۵۲ ح۱۳۰ ؛ الأمالي للمفيد : ص۱۶۵ ح۴ .

5.الكافي : ج۸ ص۲۰۶ ح۲۵۱ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج۲ ص۲۷۵ ح۲۴۲۸ ، الأمالي للمفيد : ص۱۶۵ ح۴ ، المحاسن : ج۲ ص۹۴ ح۱۲۴۷ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۷۲ ؛ مروج الذهب : ج۲ ص۳۵۰ .

6.الكافي : ج۸ ص۲۰۶ ح۲۵۱ ، نهج البلاغة : الخطبة ۱۳۰ .

7.الكافي : ج۸ ص۲۰۷ ح۲۵۱ وراجع كتاب من لا يحضره الفقيه : ج۲ ص۲۷۵ ح۲۴۲۸ و المحاسن : ج۲ ص۹۴ ح۱۲۴۷ و شرح نهج البلاغة : ج۸ ص۲۵۳ الرقم۱۳۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 68724
صفحه از 532
پرینت  ارسال به