413
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7

ويَقلِبُ كَفَّيهِ عَلى ما مَضى ، يُعجِبُهُ مِنَ اللِّباسِ القَصيرَ ، ومِنَ المَعاشِ الخَشِنَ ، وكانَ فينا كَأَحدِنا ؛ يُجيبُنا إذا سَأَلناهُ ويُدنينا إذا أتَيناهُ ، ونَحنُ مَعَ تَقريبِهِ لَنا وقُربِهِ مِنّا لا نُكَلِّمُهُ لِهَيبَتِهِ ، ولا نَرفَعُ أعيُنَنا إلَيهِ لِعَظَمَتِهِ ، فَإِن تَبَسَّمَ فَعَنِ اللُّؤلُؤِ المَنظومِ ، يُعَظِّمُ أهلَ الدّينِ ، يَتَحَبَّبُ إلَى المَساكينِ ، لا يَخافُ القَوِيُّ ظُلمَهُ ، ولا يَيأَسُ الضَّعيفُ مِن عَدلِهِ .
فَاُقسِمُ ، لَقَد رَأَيتُهُ لَيلَةً وقَد مَثُلَ في مِحرابِهِ ، وأرخَى اللَّيلُ سِربالَهُ وغارَت نُجومُهُ ، ودُموعُهُ تَتَحادَرُ عَلى لِحيَتِهِ وهُوَ يَتَمَلمَلُ تَمَلمُلَ السَّليمِ ، ويَبكي بُكاء الحَزينِ ، فَكَأَ نّي الآنَ أسمَعُهُ وهُوَ يَقولُ : يا دُنيا أ إلَيَّ تَعَرَّضتِ ، أم إلَيَّ أقبَلتِ ؟ غُرّي غَيري ، لا حانَ حينُكِ ، قَد طَلَّقَتُكِ ثَلاثا لا رجَعَةَ لي فيكِ ، فَعَيشُكِ حَقيرٌ ، وخَطَركِ يَسيرٌ ، آه مِن قِلَّةِ الزّادِ ، وبُعدِ السَّفَرِ ، وقِلَّةِ الأَنيسِ !
قالَ : فَوَكَفَت عَينا مُعاوِيَةَ ينِشّفُهُما بِكُمِّهِ ، ثُمَّ قالَ : يَرحَمُ اللّهُ أبَا الحَسَنِ ! كانَ كَذا ، فَكَيفَ صَبرُكَ عَنهُ ؟
قالَ : كَصَبرِ مَن ذُبِحَ وَلَدُها في حِجرِها ؛ فِهِيَ لا تَرَقَأُ دَمعَتُها ، ولا تَسكُنُ عَبرَتُها .
قالَ : فَكَيفَ ذِكرُكَ لَهُ ؟
قالَ : وهَل يَترُكُنِي الدَّهرُ أن أنساهُ ! ۱

68

عَدِيُّ بنُ الحارِثِ

ذكرت بعض المصادر أنّ الإمام عليه السلام ولّاه على «بُهَرسير ۲ » ۳ ، وأورد العلّامة

1.المحاسن والمساوئ : ص۴۶ ، وفي أكثر المصادر نقل هذا الكلام عن ضرار بن ضمرة . راجع : ج۵ ص۲۲ (ضرار بن ضمرة) .

2.بُهَرسير : من نواحي سواد بغداد قرب المدائن . وهي غربي دجلة (معجم البلدان : ج۱ ص۵۱۵) .

3.الأخبار الطوال : ص۱۵۳ ؛ وقعة صفّين : ص۱۱ .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
412

قالَ : ما أنصَفَكَ عَلِيٌّ ، قَتَلَ أولادَكَ وبَقّى أولادَهُ !
فَقالَ عَدِيٌّ : ما أنصَفتُ عَلِيّا إذ قُتِلَ وبَقيتُ بَعدَهُ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : أما إنَّهُ قَد بَقِيَت قَطرَةٌ مِن دَمِ عُثمانَ ما يَمحوها إلّا دَمُ شَريفٍ مِن أشرافِ اليَمَنِ .
فَقالَ عَدِيٌّ : وَاللّهِ إنَّ قُلوبَنَا الَّتي أبغَضناكَ بِها لَفي صُدورِنا ، وإنَّ أسيافَنَا الَّتي قاتَلناكَ بِها لَعَلى عَواتِقِنا ، ولَئِن أدنَيتَ إلَينا مِن الغَدرِ فِترا لَنُدِنيَنَّ إلَيكَ مِنَ الشَّرِّ شِبرا ، وإنَّ حَزَّ الحُلقومِ وحَشرَجَةَ الحَيزومِ لَأَهوَنُ عَلَينا مِن أن نَسمَعَ المَساءَةَ في عَلِيٍّ ، فَسَلِّمِ السَّيفَ يا مُعاوِيَةُ لِباعِثِ السَّيفِ .
فَقالَ مُعاوِيَةُ : هذِهِ كَلِماتُ حُكمٍ فَاكتُبوها . وأقبَلَ عَلى عَدِيٍّ مُحادِثا لَهُ كَأَ نَّهُ ما خاطَبَهُ بِشَيءٍ ۱ .

۶۶۰۳.المحاسن والمساوئ :إنَّ عَدِيَّ بنَ حاتِمٍ دَخَلَ عَلى مُعاوِيَةَ بنِ أبي سُفيانَ فَقالَ : يا عُدِيُّ ، أين الطَّرَفاتُ ؟يَعني بَنيهِ طَريفا وطارِفا وطَرَفَةَ .
قالَ : قُتِلوا يَومَ صِفّينَ بَينَ يَدَي عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه .
فَقالَ : ما أنصَفَكَ ابنُ أبي طالِبٍ إذ قَدَّمَ بَنيكَ وأخَّرَ بَنيهِ !
قالَ : بَل ما أنصَفتُ أنَا عَلِيّا إذ قُتِلَ وبَقيتُ !
قالَ : صِف لي عَلِيّا . فَقالَ : إن رَأَيتَ أن تُعفِيَني .
قالَ : لا اُعفيكَ .
قالَ : كانَ وَاللّهِ بَعيدَ المَدى ، وشَديدَ القُوى ، يَقولُ عَدلاً ، ويَحكُمُ فَصلاً ، تَتَفَجَّرُ الحِكمَةُ مِن جَوانِبِهِ ، وَالعِلمُ مِن نَواحيهِ ، يَستَوحِشُ مِنَ الدُّنيا وزَهرَتِها ، ويَستَأنِسُ بِاللَّيلِ ووَحشَتِهِ ، وكانَ واللّهِ غَزيرَ الدَّمعَةِ ، طَويلَ الفِكرَةِ ، يُحاسِبُ نَفسَهُ إذا خَلا ،

1.مروج الذهب : ج۳ ص۱۳ وراجع تاريخ دمشق : ج۴۰ ص۹۵ والعقد الفريد : ج۳ ص۸۶ والأمالي للسيّد المرتضى : ج۱ ص۲۱۷ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 68474
صفحه از 532
پرینت  ارسال به