461
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7

الكتب أنّ عزل قيس عن مصر ممّا غلب أميرَ المؤمنين عليه السلام أصحابُه واضطرّوه إلى ذلك ، ولم يكن هذا رأيه ؛ كالتحكيم ، ولعلّه أظهر وأصوب ۱ .
وقال بعض المُغرضين : إنّ سبب هذا هو انخداع أمير المؤمنين عليه السلام بحيلة معاوية ۲ .
والَّذي وصلنا إليه من مجموع هذه التحليلات والنّظريّات أنّها جميعاً بصدد تحليل «النّتيجة» لا بصدد تحليل «الاُسلوب» .
وبكلمة اُخرى : إنّ الَّذي جُعل تحت مجهر البحث هو النّتيجة الحاصلة من دون لحاظ الظروف المحيطة والعوامل المؤثّرة الموجودة أو المختلقة آنذاك . وإنّما صُبّ النّظر على موفّقية قيس بن سعد وانهزام محمّد بن أبي بكر ، مع أنّ الصحيح هو تحليل هذا الموقف الَّذي اتّخذه الإمام عليه السلام مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع العوامل المؤثّرة ، وكلّ ما له دخل في اتّخاذ هذا التصميم من دون غفلة عن الواقع اليومي الحاكم آنذاك ، وعلى هذا ، نقول في تحليل الموقف:
1 ـ إنّ قيس بن سعد من الشخصيّات السياسيّة البارزة في التاريخ الإسلامي ، بل عُدّ من دُهاة العرب الخمسة ، ولا شبهة في ذكائه ، وممّا يؤيّد ذلك الاطمئنان والهدوء الَّذي خيّم على مصر أيّام حكومته .
2 ـ إنّ محمّد بن أبي بكر كان هو الآخر من الشخصيّات البارزة آنذاك ، وكان له محبّة في قلوب المصريّين ، حتى أنّ الثائرين على عثمان طلبوا من عثمان عزل عبد اللّه بن أبي سرح ونصبه بدله ، وحين قام عثمان بذلك سافر المصريّون إلى بلادهم . ولهذا كان من الطبيعي أن يميل المصريّون إلى حكومة محمّد بن أبي بكر حين ولي أمير المؤمنين عليه السلام الخلافة أيضاً .

1.بحار الأنوار: ج۳۳ ص۵۴۰ وراجع أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۷۳ .

2.سير أعلام النّبلاء : ج۳ ص۱۰۹ و ۱۰۸.


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
460

فكان السؤال الَّذي يطرح نفسه : لماذا عزل الإمام عليه السلام السياسيَّ الذكيّ ، وعيّن محلّه هذا الشابّ النّاشئ ، حتى انتهى به الحال إلى شهادته بهذا الشكل المفجع ؟
تُعزي النّصوص التاريخيّة السبب إلى مؤامرة حاكها معاوية لتحقيق أهدافه الخبيثة ؛ حيث قيل إنّه كان يسعى إلى كسب قيس بأساليبه الخدّاعة ، وأرسل إليه عدّة رسائل حرّضه فيها على الطلب بثأر عثمان ، بيد أنّ قيساً كان أذكى من أن تنطلي عليه مثل هذه الأساليب ، بل احترز عن الإدلاء برأيه الصريح في موافقة معاوية أو مخالفته ؛ وذلك لما تميّزت به مصر من المحلّ الاستراتيجي من جهة ، وطمع بني اُميّة ونفوذهم فيها ، وقربها إلى الشام من جهة اُخرى .
بيد أنّ معاوية ـ هذا السياسي الماكر المتأثّر بمرافقة وإسناد عمرو بن العاص ـ ابتدع بمكره رسالة مزوّرة عن لسان قيس بن سعد مضمونها تأييد معاوية ۱ .
وذاع خبر هذه الرسالة في الشام ، ووصل خبرها إلى الكوفة وإلى الإمام عليّ عليه السلام ، فجمع الإمام عليه السلام أعوانه وشاورهم في هذا الموضوع ، فكان رأيهم عزل قيس بن سعد وتعيين رجل أصلب منه ؛ لانتشار خبر هذه الرسالة بين الجيش وبين عامّة المسلمين .
جاء في بعض النّصوص الإشارة إلى اقتراح عبد اللّه بن جعفر بعزل قيس بن سعد ، وتعيين محمّد بن أبي بكر . وقد حُمل هذا الاقتراح على محبّة عبد اللّه لأخيه محمّد بن أبي بكر ؛ حيث كانا أخوين لاُمّ واحدة ۲ .
وقال بعض المفكّرين : إنّ عزل قيس ونصب محمّد بن أبي بكر كان بسبب الضغوط الَّتي تحمّلها الإمام من أصحابه ؛ قال العلّامة المجلسي : وجدت في بعض

1.تاريخ دمشق : ج۴۹ ص۴۲۵ الرقم۵۷۵۶، سير أعلام النّبلاء : ج۳ ص۱۰۹ ؛ الغارات : ج۱ ص۲۱۷ .

2.الغارات: ج۱ ص۲۱۹.

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 81766
صفحه از 532
پرینت  ارسال به