الكتب أنّ عزل قيس عن مصر ممّا غلب أميرَ المؤمنين عليه السلام أصحابُه واضطرّوه إلى ذلك ، ولم يكن هذا رأيه ؛ كالتحكيم ، ولعلّه أظهر وأصوب ۱ .
وقال بعض المُغرضين : إنّ سبب هذا هو انخداع أمير المؤمنين عليه السلام بحيلة معاوية ۲ .
والَّذي وصلنا إليه من مجموع هذه التحليلات والنّظريّات أنّها جميعاً بصدد تحليل «النّتيجة» لا بصدد تحليل «الاُسلوب» .
وبكلمة اُخرى : إنّ الَّذي جُعل تحت مجهر البحث هو النّتيجة الحاصلة من دون لحاظ الظروف المحيطة والعوامل المؤثّرة الموجودة أو المختلقة آنذاك . وإنّما صُبّ النّظر على موفّقية قيس بن سعد وانهزام محمّد بن أبي بكر ، مع أنّ الصحيح هو تحليل هذا الموقف الَّذي اتّخذه الإمام عليه السلام مع الأخذ بنظر الاعتبار جميع العوامل المؤثّرة ، وكلّ ما له دخل في اتّخاذ هذا التصميم من دون غفلة عن الواقع اليومي الحاكم آنذاك ، وعلى هذا ، نقول في تحليل الموقف:
1 ـ إنّ قيس بن سعد من الشخصيّات السياسيّة البارزة في التاريخ الإسلامي ، بل عُدّ من دُهاة العرب الخمسة ، ولا شبهة في ذكائه ، وممّا يؤيّد ذلك الاطمئنان والهدوء الَّذي خيّم على مصر أيّام حكومته .
2 ـ إنّ محمّد بن أبي بكر كان هو الآخر من الشخصيّات البارزة آنذاك ، وكان له محبّة في قلوب المصريّين ، حتى أنّ الثائرين على عثمان طلبوا من عثمان عزل عبد اللّه بن أبي سرح ونصبه بدله ، وحين قام عثمان بذلك سافر المصريّون إلى بلادهم . ولهذا كان من الطبيعي أن يميل المصريّون إلى حكومة محمّد بن أبي بكر حين ولي أمير المؤمنين عليه السلام الخلافة أيضاً .