471
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7

وعاد مالك بعد صفّين إلى مهمّته ۱ . ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر وصعب عليه أمرها وتمرّد أهلها ، انتدب الإمام عليه السلام مالكا وولّاه عليها ۲ . وكان قد خَبَر كفاءته ، ورفعته ، واستماتته ، ودأبه ، ووعيه ، وخبرته في العمل ، فكتب إلى أهل مصر كتابا يعرّفهم به ، قال فيه :
« . . . بَعَثتُ إلَيكُم عَبدا مِن عِبادِ اللّهِ ، لا يَنامُ أيّامَ الخَوفِ ، ولا يَنكُلُ عَنِ الأَعداءِ ساعاتِ الرَّوعِ ، أشَدَّ عَلَى الفُجّارِ مِن حَريقِ النّارِ ، وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ أخو مَذحِجٍ ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ فيما طابَقَ الحَقَّ ؛ فَإِنَّهُ سَيفٌ مِن سُيوفِ اللّهِ ، لا كَليلُ الظُّبَةِ ۳ ولا نابِي ۴ الضَّرِيبَةِ ؛ فَإِن أمَرَكُم أن تَنفِروا فَانفِروا ، وإن أمَرَكُم أن تُقيموا فَأَقيموا ؛ فَإِنَّهُ لا يُقدِمُ ولا يُحجِمُ ولا يُؤَخِّرُ ولا يُقَدِّمُ إلّا عَن أمري ، وقَد آثَرتُكُم بِهِ عَلى نَفسي لِنَصيحَتِهِ لَكُم ، وشِدَّةِ شَكيمَتِهِ عَلى عَدُوِّكُم» ۵ .
وكانت تعليماته عليه السلام الحكوميّة ـ المشهورة بـ «عهد مالك الأشتر» ـ أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط ، وهي خالدة على مرّ التاريخ ۶ .
وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر ، وحين شعر أنّ جميع خططه ستخيب

1.تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ؛ الغارات : ج۱ ص۲۵۷ .

2.الأمالي للمفيد : ص۷۹ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۵۷ ـ ۲۵۹ ؛ أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۶۷ و ۱۶۸ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ .

3.كلَّ السَّيفُ ، فهو كَلِيل : إذا لم يَقْطَع (النهاية : ج۴ ص۱۹۸) . والظُّبة: حدّ السيف والسنان والنّصل والخنجر وما أشبه ذلك (لسان العرب: ج۱۵ ص۲۲).

4.يقال : نَبا حدُّ السَّيف : إذا لم يَقْطَع (النهاية : ج۵ ص۱۱) .

5.نهج البلاغة : الكتاب ۳۸ ، الأمالي للمفيد : ص۸۱ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۰ و ص۲۶۶ ، الاختصاص : ص۸۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۶ ، تاريخ دمشق : ج۵۶ ص۳۹۰ .

6.نهج البلاغة : الكتاب ۵۳ ، تحف العقول : ص۱۲۶ . وراجع : ج۴ ص۹۸ (واجبات مالك في حكومة مصر) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
470

شجاعته ، وشهامته ، واستبساله ، وقتاله بلا هوادة ، إذ خلخل نظم الجيش الشامي ، وتقدّم صباح الجمعة حتى أشرف على خيمة القيادة ۱ .
وصار هلاك العدوّ أمرا محتوما ، وبينا كان الظلم يلفظ أنفاسه الأخيرة ، والنّصر يلتمع في عيون مالك ، تآمر عمرو بن العاص ونشر فخّ مكيدته ، فأسرعت جموع من جيش الإمام ـ وهم الذين سيشكّلون تيّار الخوارج ـ ومعهم الأشعث إلى مؤازرته ، فازداد الطين بلّةً بحماقتهم . وهكذا جعلوا الإمام عليه السلام في وضعٍ حَرِج ليقبل الصلح ، ويُرجعَ مالكا عن موقعه المتقدّم في ميدان الحرب . وكان طبيعيّا في تلك اللّحظة المصيريّة الحاسمة العجيبة أن يرفض مالك ، ويرفض معه الإمام عليه السلام أيضا ، لكن لمّا بلغه أنّ حياة الإمام في خطر ، عاد بروح ملؤها الحزن والألم ، فأغمد سيفه ، ونجا معاوية الَّذي أوشك أن يطلب الأمان من موت محقَّق ، وخرج من مأزق ضاق به ! ! ۲
وشاجر مالكٌ الخوارجَ والأشعثَ ، وكلّمهم في حقيقة ما حصل ، وأنبأهم ، بما يملك من بصيرة وبُعد نظر ، أنّ جذر تقدّسهم يكمن في تملّصهم من المسؤوليّة ، وشغفهم بالدنيا ۳ .
وحين اقترح الإمام عليه السلام عبدَ اللّه بن عبّاس للتحكيم ورفَضه الخوارج والأشعث ، اقترح مالكا ، فرفضوه أيضا مصرِّين على يمانيّة الحَكَم ، في حين كان مالك يمانيّ المحتد ، وهذا من عجائب الاُمور ! ۴

1.وقعة صفّين : ص۴۷۵ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۷ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۵ .

2.وقعة صفّين : ص۴۸۹ و ۴۹۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۴۸ ـ ۵۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۶ ، الفتوح : ج۳ ص۱۸۵ ـ ۱۸۸ .

3.وقعة صفّين : ص۴۹۱ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۵۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۷ .

4.وقعة صفّين : ص۴۹۹ ـ ۵۰۴ ؛ مروج الذهب : ج۲ ص۴۰۲ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۵۱ و ۵۲ ، ف الكامل في التاريخ : ج۲ ص۳۸۷ ، الفتوح : ج۴ ص۱۹۷ و ۱۹۸ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 81973
صفحه از 532
پرینت  ارسال به