وعاد مالك بعد صفّين إلى مهمّته ۱ . ولمّا اضطربت مصر على محمّد بن أبي بكر وصعب عليه أمرها وتمرّد أهلها ، انتدب الإمام عليه السلام مالكا وولّاه عليها ۲ . وكان قد خَبَر كفاءته ، ورفعته ، واستماتته ، ودأبه ، ووعيه ، وخبرته في العمل ، فكتب إلى أهل مصر كتابا يعرّفهم به ، قال فيه :
« . . . بَعَثتُ إلَيكُم عَبدا مِن عِبادِ اللّهِ ، لا يَنامُ أيّامَ الخَوفِ ، ولا يَنكُلُ عَنِ الأَعداءِ ساعاتِ الرَّوعِ ، أشَدَّ عَلَى الفُجّارِ مِن حَريقِ النّارِ ، وهُوَ مالِكُ بنُ الحارِثِ أخو مَذحِجٍ ، فَاسمَعوا لَهُ وأطيعوا أمرَهُ فيما طابَقَ الحَقَّ ؛ فَإِنَّهُ سَيفٌ مِن سُيوفِ اللّهِ ، لا كَليلُ الظُّبَةِ ۳ ولا نابِي ۴ الضَّرِيبَةِ ؛ فَإِن أمَرَكُم أن تَنفِروا فَانفِروا ، وإن أمَرَكُم أن تُقيموا فَأَقيموا ؛ فَإِنَّهُ لا يُقدِمُ ولا يُحجِمُ ولا يُؤَخِّرُ ولا يُقَدِّمُ إلّا عَن أمري ، وقَد آثَرتُكُم بِهِ عَلى نَفسي لِنَصيحَتِهِ لَكُم ، وشِدَّةِ شَكيمَتِهِ عَلى عَدُوِّكُم» ۵ .
وكانت تعليماته عليه السلام الحكوميّة ـ المشهورة بـ «عهد مالك الأشتر» ـ أعظم وأرفع وثيقة للحكومة وإقامة القسط ، وهي خالدة على مرّ التاريخ ۶ .
وكان معاوية قد عقد الأمل على مصر ، وحين شعر أنّ جميع خططه ستخيب
1.تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ؛ الغارات : ج۱ ص۲۵۷ .
2.الأمالي للمفيد : ص۷۹ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۵۷ ـ ۲۵۹ ؛ أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۶۷ و ۱۶۸ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ .
3.كلَّ السَّيفُ ، فهو كَلِيل : إذا لم يَقْطَع (النهاية : ج۴ ص۱۹۸) . والظُّبة: حدّ السيف والسنان والنّصل والخنجر وما أشبه ذلك (لسان العرب: ج۱۵ ص۲۲).
4.يقال : نَبا حدُّ السَّيف : إذا لم يَقْطَع (النهاية : ج۵ ص۱۱) .
5.نهج البلاغة : الكتاب ۳۸ ، الأمالي للمفيد : ص۸۱ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۰ و ص۲۶۶ ، الاختصاص : ص۸۰ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۶ ، تاريخ دمشق : ج۵۶ ص۳۹۰ .
6.نهج البلاغة : الكتاب ۵۳ ، تحف العقول : ص۱۲۶ . وراجع : ج۴ ص۹۸ (واجبات مالك في حكومة مصر) .