وكلّما كان يذكره الإمام عليه السلام ، يثقل عليه الغمّ والحزن ، ويتحسّر على فقده . وحين ضاق ذرعا من التحرّكات الجائرة لأهل الشام ، وتألّم لعدم سماع جُنده كلامه ، وتأوّه على قعودهم وخذلانهم له في اجتثاث جذور الفتنة ، قال رجل :
استبانَ فقدُ الأشتر على أهل العراقِ . لو كان حيّا لقلّ اللغط ، ولعلم كلّ امرئٍ ما يقول ۱ .
نطق هذا الرجل حقّا ، فلم يكن أحد في جيش الإمام عليه السلام مثل مالك .
۶۶۸۴.تنبيه الخواطر :حُكِيَ أنَّ مالِكا الأَشتَرَ كانَ مُجتازا بِسوقِ الكوفَةِ وعَلَيهِ قَميصُ خامٍ وعِمامَةٌ مِنهُ ، فَرَآهُ بَعضُ السّوقَةِ ۲ فَازدَرى ۳ بِزِيِّهِ ؛ فَرَماهُ بِبُندُقَةٍ تَهاوُنا بِهِ ، فَمَضى ولَم يَلتَفِت ، فَقيلَ لَهُ : وَيلَكَ ! أ تَدري بِمَن رَمَيتَ ؟ فَقالَ : لا ، فَقيلَ لَهُ : هذا مالِكٌ صاحِبُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ! فَارتَعَدَ الرَّجُلُ ومَضى إلَيهِ لِيَعتَذِرَ مِنهُ ، فَرَآهُ وقَد دَخَلَ مَسجِدا وهُوَ قائِمٌ يُصَلّي ، فَلَمَّا انفَتَلَ أكَبَّ الرَّجُلُ عَلى قَدَمَيهِ يُقَبِّلُهُما ، فَقالَ : ما هذَا الأَمرُ ؟ ! فَقالَ : أعتَذِرُ إلَيكَ مِمّا صَنَعتُ ، فَقالَ : لا بَأسَ عَلَيكَ ، فَوَاللّهِ ما دَخَلتُ المَسجِدَ إلّا لِأَستَغفِرَنَّ لَكَ ۴ .
۶۶۸۵.المناقب للخوارزمي عن أبي هاني بن معمر السدوسيـ في ذِكرِ غَلَبَةِ جُندِ مُعاوِيَةَ عَلَى الماءِ في حَربِ صِفّينَ ـ: كَنتُ حينَئِذٍ مَعَ الأَشتَرِ وقَد تَبَيَّنَ فيهِ العَطَشُ ، فَقُلتُ لِرَجُلٍ مِن بَني عَمّي : إنَّ الأَميرَ عَطشانُ ، فَقالَ الرَّجُلُ : كُلُّ هؤُلاءِ عِطاشٌ، وعِندي إداوَةُ ۵ ماءٍ أمنَعُهُ لِنَفسي ، ولكِنّي اُوثِرُهُ عَلى نَفسي ، فَتَقَدَّمَ إلَى الأَشتَرِ فَعَرَضَ عَلَيهِ الماءَ ،
1.الأمالي للطوسي : ص۱۷۴ ح۲۹۳ ، الغارات : ج۲ ص۴۸۱ .
2.السُّوْقة من النّاس : الرَّعِيَّة (النهاية : ج۲ ص۴۲۴) .
3.الازْدِراء : الاحتِقار والانتِقاص والعيب (النهاية : ج۲ ص۳۰۲) .
4.تنبيه الخواطر : ج۱ ص۲ .
5.الإداوَة : إناءٌ صغير من جلْد يُتَّخذ للماء كالسَّطيحة ونحوها (النهاية : ج۱ ص۳۳) .