473
موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7

وكلّما كان يذكره الإمام عليه السلام ، يثقل عليه الغمّ والحزن ، ويتحسّر على فقده . وحين ضاق ذرعا من التحرّكات الجائرة لأهل الشام ، وتألّم لعدم سماع جُنده كلامه ، وتأوّه على قعودهم وخذلانهم له في اجتثاث جذور الفتنة ، قال رجل :
استبانَ فقدُ الأشتر على أهل العراقِ . لو كان حيّا لقلّ اللغط ، ولعلم كلّ امرئٍ ما يقول ۱ .
نطق هذا الرجل حقّا ، فلم يكن أحد في جيش الإمام عليه السلام مثل مالك .

۶۶۸۴.تنبيه الخواطر :حُكِيَ أنَّ مالِكا الأَشتَرَ كانَ مُجتازا بِسوقِ الكوفَةِ وعَلَيهِ قَميصُ خامٍ وعِمامَةٌ مِنهُ ، فَرَآهُ بَعضُ السّوقَةِ ۲ فَازدَرى ۳ بِزِيِّهِ ؛ فَرَماهُ بِبُندُقَةٍ تَهاوُنا بِهِ ، فَمَضى ولَم يَلتَفِت ، فَقيلَ لَهُ : وَيلَكَ ! أ تَدري بِمَن رَمَيتَ ؟ فَقالَ : لا ، فَقيلَ لَهُ : هذا مالِكٌ صاحِبُ أميرِ المُؤمِنينَ عليه السلام ! فَارتَعَدَ الرَّجُلُ ومَضى إلَيهِ لِيَعتَذِرَ مِنهُ ، فَرَآهُ وقَد دَخَلَ مَسجِدا وهُوَ قائِمٌ يُصَلّي ، فَلَمَّا انفَتَلَ أكَبَّ الرَّجُلُ عَلى قَدَمَيهِ يُقَبِّلُهُما ، فَقالَ : ما هذَا الأَمرُ ؟ ! فَقالَ : أعتَذِرُ إلَيكَ مِمّا صَنَعتُ ، فَقالَ : لا بَأسَ عَلَيكَ ، فَوَاللّهِ ما دَخَلتُ المَسجِدَ إلّا لِأَستَغفِرَنَّ لَكَ ۴ .

۶۶۸۵.المناقب للخوارزمي عن أبي هاني بن معمر السدوسيـ في ذِكرِ غَلَبَةِ جُندِ مُعاوِيَةَ عَلَى الماءِ في حَربِ صِفّينَ ـ: كَنتُ حينَئِذٍ مَعَ الأَشتَرِ وقَد تَبَيَّنَ فيهِ العَطَشُ ، فَقُلتُ لِرَجُلٍ مِن بَني عَمّي : إنَّ الأَميرَ عَطشانُ ، فَقالَ الرَّجُلُ : كُلُّ هؤُلاءِ عِطاشٌ، وعِندي إداوَةُ ۵ ماءٍ أمنَعُهُ لِنَفسي ، ولكِنّي اُوثِرُهُ عَلى نَفسي ، فَتَقَدَّمَ إلَى الأَشتَرِ فَعَرَضَ عَلَيهِ الماءَ ،

1.الأمالي للطوسي : ص۱۷۴ ح۲۹۳ ، الغارات : ج۲ ص۴۸۱ .

2.السُّوْقة من النّاس : الرَّعِيَّة (النهاية : ج۲ ص۴۲۴) .

3.الازْدِراء : الاحتِقار والانتِقاص والعيب (النهاية : ج۲ ص۳۰۲) .

4.تنبيه الخواطر : ج۱ ص۲ .

5.الإداوَة : إناءٌ صغير من جلْد يُتَّخذ للماء كالسَّطيحة ونحوها (النهاية : ج۱ ص۳۳) .


موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
472

بذهاب مالك إليها ، قضى عليه قبل وصوله إليها . وهكذا استُشهد ليث الوغى ، والمقاتل الفذّ ، والنّاصر الفريد لمولاه ، بطريقة غادرة بعدما تناول من العسل المسموم بسمّ فتّاك ، وعرجت روحه المشرقة الطاهرة إلى الملكوت الأعلى ۱ .
وحزن الإمام عليه السلام لمقتله ، حتى عَدّ موته من مصائب الدهر ۲ . وأبّنه فكان تأبينه إيّاه فريدا ؛ كما أنّ وجود مالك كان فريدا له في حياته عليه السلام ۳ .
ولمّا نُعي إليه مالك وبلغه خبر استشهاده المؤلم ، صعد المنبر وقال :
«ألا إنَّ مالِكَ بنَ الحارِثِ قَد قَضى نَحبَهُ ، وأوفى بِعَهدِهِ ، ولَقِيَ رَبَّهُ ، فَرَحِمَ اللّهُ مالِكا ! لَو كانَ جَبَلاً لَكانَ فِنداً ۴ ، ولَو كانَ حَجَرا لَكانَ صَلداً . للّهِِ مالِكٌ ! وما مالِكٌ ! وهَل قامَتِ النِّساءُ عَن مِثلِ مالِكٍ ! وهَل مَوجودٌ كَمالِكٍ !» ۵ .
ومعاوية الَّذي كان فريدا أيضا في خبث طويّته ورذالته وضَعَته وقتله للفضيلة ، طار فرحا باستشهاد مالك ، ولم يستطع أن يخفي سروره ، فقال من فرط فرحه :
كان لعليّ بن أبي طالب يدان يمينان ، فقُطعت إحداهما يوم صفّين ـ يعني عمّار بن ياسر ـ وقُطعت الاُخرى اليوم ، وهو مالك الأشتر ۶ .

1.أنساب الأشراف : ج۳ ص۱۶۸ ، تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۵ ـ ۹۶ ، مروج الذهب : ج۲ ص۴۲۰ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ؛ الأماليللمفيد : ص۸۲ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۳ ، الاختصاص : ص۸۱ ، تاريخ اليعقوبي : ج۲ ص۱۹۴ .

2.الأمالي للمفيد : ص۸۳ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۴ .

3.نهج البلاغة : الحكمة ۴۴۳ ، الأمالي للمفيد : ص۸۳ ح۴ ، رجال الكشّي : ج۱ ص۲۸۳ الرقم ۱۱۸ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۵ ؛ الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ ، تاريخ الإسلام للذهبي : ج۳ ص۵۹۴ ، ربيع الأبرار : ج۱ ص۲۱۶ .

4.الفِنْد من الجبل : أنفه الخارج منه . وقيل : هو المُنفَرد من الجبال (النهاية : ج۳ ص۴۷۵) .

5.الاختصاص : ص۸۱ ، الأمالي للمفيد : ص۸۳ ح۴ ، الغارات : ج۱ ص۲۶۵ كلاهما نحوه .

6.الغارات : ج۱ ص۲۶۴ ، الاختصاص : ص۸۱ ؛ تاريخ الطبري : ج۵ ص۹۶ ، الكامل في التاريخ : ج۲ ص۴۱۰ .

  • نام منبع :
    موسوعة الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) في الكتاب و السُّنَّة و التّاريخ ج 7
    سایر پدیدآورندگان :
    طباطبایی، محمد کاظم؛ طباطبایی نژاد، محمود
    تعداد جلد :
    7
    ناشر :
    دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1385
    نوبت چاپ :
    دوم
تعداد بازدید : 81963
صفحه از 532
پرینت  ارسال به