3
أبو حَسَّانٍ البَكرِيُّ
۶۳۳۰.وقعة صفّين :بَعَثَ [ عَلِيٌّ عليه السلام ] أبا حَسّانٍ البَكرِيَّ عَلى إستانِ العالي ۱ . ۲
4
أبو ذَرٍّ الغِفارِيُّ ۳
جُنْدَب بن جُنادة ، وهو مشهور بكنيته . صوت الحقّ المدوّي ، وصيحة الفضيلة والعدالة المتعالية ، أحد أجلّاء الصحابة ، والسابقين إلى الإيمان ، والثابتين على الصراط المستقيم ۴ . كان موحِّداً قبل الإسلام ، وترفّع عن عبادة الأصنام ۵ . جاء إلى مكّة قادماً من البادية ، واعتنق دين الحقّ بكلّ وجوده ، وسمع القرآن .
عُدَّ رابعَ ۶ من أسلم أو خامسهم ۷ . واشتهر بإعلانه إسلامَه ، واعتقاده بالدين الجديد ، وتقصّيه الحقّ منذ يومه الأوّل ۸ .
وكان فريداً فذّاً في صدقه وصراحة لهجته ، حتى قال رسول اللّه صلى الله عليه و آله كلمته الخالدة فيه تكريماً لهذه الصفة المحمودة العالية : «ما أظَلَّتِ الخَضراءُ ، وما أقَلَّتِ الغَبراءُ ۹ أصدَقَ لَهجَةً مِن أبي ذَرٍّ » ۱۰ .
وكان من الثلّة المعدودة الَّتي رعت حرمة الحقّ في خضمّ التغيّرات الَّتي طرأت بعد وفاة النّبيّ صلى الله عليه و آله ۱۱ . وتفانى في الدفاع عن موقع الولاية العلويّة الرفيعة ، وجعل نفسه مِجَنّاً للذبّ عنه ، وكان أحد الثلاثة الذين لم يفارقوا عليّاً عليه السلام قطّ ۱۲ .
ولنا أن نعدّ من فضائله ومناقبه صلاته على الجثمان الطاهر لسيّدة نساء العالمين فاطمة عليهاالسلام ، فقد كان في عداد من صلّى عليها في تلك الليلة المشوبة بالألم والغمّ والمحنة ۱۳ .
وصرخاته بوجه الظلم ملأت الآفاق ، واشتهرت في التاريخ ؛ فهو لم يصبر على إسراف الخليفة الثالث وتبذيره وعطاياه الشاذّة ، وانتفض ثائراً صارخاً ضدّها، ولم يتحمّل التحريف الَّذيافتعلوه لدعم تلك المكرمات المصطنعة، وقدح في الخليفة وتوجيه كعب الأحبار لأعماله وممارساته . فقام الخليفة بنفي صوت العدالة هذا إلى الشام الَّتي كانت حديثة عهدٍ بالإسلام ، غيرَ مُلمّةٍ بثقافته ۱۴ .
ولم يُطِقه معاوية أيضاً ؛ إذ كان يعيش في الشام كالملوك ، ويفعل ما يفعله القياصرة ، ضارباً بأحكام الإسلام عرض الجدار ، فأقضّت صيحات أبي ذرّ مضجعه ۱۵ . فكتب إلى عثمان يخبره باضطراب الشام عليه إذا بقي فيها أبو ذرّ ، فأمر بردّه إلى المدينة ۱۶ ، وأرجعوه إليها على أسوأ حال .
وقدم أبو ذرّ المدينة ، لكن لا سياسة عثمان تغيّرت ، ولا موقف أبي ذرّ منه ، فالاحتجاج كان قائماً ، والصيحات مستمرّة ، وقول الحقّ متواصلاً ، وكشف المساوئ لم يتوقّف . ولمّا لم يُجْدِ الترغيب والترهيب معه ، غيّرت الحكومة اُسلوبها منه ، وما هو إلّا الإبعاد ، لكنّه هذه المرّة إلى الرَّبَذة ۱۷ ، وهي صحراء قاحلة حارقة ، وأصدر عثمان تعاليمه بمنع مشايعته ۱۸ . ولم يتحمّل أمير المؤمنين عليه السلام هذه التعاليم الجائرة ، فخرج مع أبنائه وعدد من الصحابة لتوديعه ۱۹ .
وله كلام عظيم خاطبه به وبيّن فيه ظُلامته ۲۰ . وتكلّم من كان معه أيضاً ليعلم النّاس أنّ الَّذي أبعد هذا الصحابي الجليل إلى الربذة هو قول الحقّ ومقارعة الظلم لاغيرها ۲۱ .
وكان إبعاد أبي ذرّ أحد ممهّدات الثورة على عثمان ۲۲ . وذهب هذا الرجل العظيم إلى الربذة رضيّ الضمير ؛ لأنّه لم يتنصّل عن مسؤوليّته في قول الحقّ ، لكنّ قلبه كان مليئاً بالألم ؛ إذ تُرك وحده ، وفُصل عن مرقد حبيبه رسول اللّه صلى الله عليه و آله .
يقول عبد اللّه بن حواش الكعبي : رأيتُ أبا ذرّ في الربذة وهو جالس وحده في ظلّ سقيفةٍ ، فقلت : يا أبا ذرّ ! وحدك !
فقال : كان الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر شعاري ، وقول الحقّ سيرتي ، وهذا ما ترك لي رفيقاً .
توفّي أبو ذرّ سنة 32 ه ۲۳ . وتحقّق ما كان يراه النّبيّ صلى الله عليه و آله في مرآة الزمان ، وما كان يقوله فيه ، وكان قد قال صلى الله عليه و آله : «يَرحَمُ اللّهُ أبا ذَرٍّ ، يَعيشُ وَحدَهُ ، ويَموتُ وَحدَهُ ، ويُحشَرُ وَحدَهُ» ۲۴ .
ووصل جماعة من المؤمنين فيهم مالك الأشتر بعد وفاة ذلك الصحابيّ الكبير القائل الحقّ في زمانه ، ووسّدوا جسده النّحيف الثرى باحترام وتبجيل ۲۵ . ۲۶
1.الإستانُ العالِ : كورة في غربيّ بغداد من السواد ، تشتمل على أربعة طساسيج ، وهي : الأنبار ، وبادوريا ، وقَطْرَبُّل ، ومَسكِن (معجم البلدان : ج ۱ ص ۱۷۴) .
2.وقعة صفّين : ص ۱۱ ؛ الأخبار الطوال : ص ۱۵۳ وفيه «حسّان بن عبد اللّه البكري» .
3.قد اختلف في اسمه ونَسَبه اختلافا كثيرا ، وما في المتن هو أكثر وأصحّ ما قيل فيه ، ولكنّه مشهور بكنيته ولقبه .
4.سير أعلام النّبلاء : ج ۲ ص ۴۶ الرقم ۱۰ ، الاستيعاب : ج ۴ ص ۲۱۶ الرقم ۲۹۷۴ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۵۶۳ الرقم ۸۰۰ .
5.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۲۲ ، حلية الأولياء : ج ۱ ص ۱۵۸ ح ۲۶ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۵۶۳ الرقم ۸۰۰ .
6.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۳۸۵ ح ۵۴۵۹ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۲۴ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۵۶۳ الرقم ۸۰۰ .
7.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۲۴ ، سير أعلام النّبلاء : ج ۲ ص ۴۶ الرقم ۱۰ ، اُسد الغابة : ج ۱ ص ۵۶۳ الرقم ۸۰۰ .
8.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۲۵ ، حلية الأولياء : ج ۱ ص ۱۵۸ ح ۲۶ .
9.الخضْرَاء : السَّماء ، والغَبْرَاء : الأرض (النهاية : ج ۲ ص ۴۲ «خضر») .
10.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۸۵ ح ۵۴۶۱ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۲۸ ، سير أعلام النّبلاء : ج ۲ ص ۵۹ الرقم ۱۰ .
11.الخصال : ص ۶۰۷ ح ۹ ، عيون أخبار الرضا : ج ۲ ص ۱۲۶ ح ۱ .
12.رجال الكشّي : ج ۱ ص ۳۸ الرقم ۱۷ ، الاختصاص : ص ۶ .
13.رجال الكشّي : ج ۱ ص ۳۴ الرقم ۱۳ ، الاختصاص : ص ۵ .
14.أنساب الأشراف : ج ۶ ص ۱۶۶ ، مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۴۹ ، شرح نهج البلاغة : ج ۸ ص ۲۵۶ ح ۱۳۰ .
15.أنساب الأشراف : ج ۶ ص ۱۶۷ ، شرح نهج البلاغة : ج ۸ ص ۲۵۶ ح ۱۳۰ ؛ الشافي : ج ۴ ص ۲۹۴ .
16.الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۲۶ ، أنساب الأشراف : ج ۶ ص ۱۶۷ ، سير أعلام النّبلاء : ج ۲ ص ۶۳ الرقم ۱۰ ، تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۲۸۳ ؛ الأمالي للمفيد : ص ۱۶۲ ح ۴ .
17.الكافي : ج ۸ ص ۲۰۶ ح ۲۵۱ ، الأمالي للمفيد : ص ۱۶۴ ح ۴ ؛ أنساب الأشراف : ج ۶ ص ۱۶۷ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۲۷ .
18.مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۵۱ ، شرح نهج البلاغة : ج ۸ ص ۲۵۲ ح ۱۳۰ ؛ الأمالي للمفيد : ص ۱۶۵ ح ۴ .
19.الكافي : ج ۸ ص ۲۰۶ ح ۲۵۱ ، كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۲ ص ۲۷۵ ح ۲۴۲۸ ، الأمالي للمفيد : ص ۱۶۵ ح ۴ ، المحاسن : ج ۲ ص ۹۴ ح ۱۲۴۷ ، تاريخ اليعقوبي : ج ۲ ص ۱۷۲ ؛ مروج الذهب : ج ۲ ص ۳۵۰ .
20.الكافي : ج ۸ ص ۲۰۶ ح ۲۵۱ ، نهج البلاغة : الخطبة ۱۳۰ .
21.الكافي : ج ۸ ص ۲۰۷ ح ۲۵۱ وراجع كتاب من لا يحضره الفقيه : ج ۲ ص ۲۷۵ ح ۲۴۲۸ والمحاسن : ج ۲ ص ۹۴ ح ۱۲۴۷ وشرح نهج البلاغة : ج ۸ ص ۲۵۳ ح ۱۳۰ .
22.راجع : ج ۳ ص ۱۶۰ (نفي أبي ذرّ) .
23.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۳۸۱ ح ۵۴۵۱ ، سير أعلام النّبلاء : ج ۲ ص ۷۴ الرقم ۱۰ ؛ رجال الطوسي : ص ۳۲ الرقم ۱۴۳ وفيه «مات في زمن عثمان بالربذة» .
24.الإصابة : ج ۷ ص ۱۰۹ ، كنز العمّال : ج ۱۱ ص ۶۴۴ ح ۳۳۱۳۲ ؛ رجال الكشي: ج ۱ ص ۹۸ الرقم ۴۸ ، بحار الأنوار : ج ۲۲ ص ۳۴۳ ح ۲ كلّها نحوه .
25.المستدرك على الصحيحين : ج ۳ ص ۳۸۸ ح ۵۴۷۰ ، الطبقات الكبرى : ج ۴ ص ۲۳۴ ، سير أعلام النّبلاء : ج ۲ ص ۷۷ الرقم ۱۰ ، تاريخ الطبري : ج ۴ ص ۳۰۸ ، الكامل في التاريخ : ج ۲ ص ۲۶۴ ؛ رجال الكشّي : ج ۱ ص ۲۸۳ الرقم ۱۱۸ .
26.المشهور إنّ أبا ذرّ انتهج اُسلوب كشف المساوئ والبدع في أيّام عثمان ، كما كان يذكّر بوجود الظلم والتمييز والتكتّل . من هنا لم تتحمّل الحكومة وجوده في المدينة ، فنفته إلى الشام . وفيها واصل اُسلوبه وفضح معاوية وكشف قبائحه . فشكاه معاوية إلى عثمان ، فردّه إلى المدينة ، ثمّ أبعده إلى الربذة ... .
بَيْد أنّ بعض الباحثين ذهب إلى أنّه مكث طويلاً في الشام ، اهتداءً ببعض الوثائق التاريخيّة ، ومقايسة أخبار متنوّعة في هذا المجال . أي : إنّه توجّه إلى الشام بعد موت أبي بكر ، وبذر فيها التشيّع . راجع : كتاب «أبو ذرّ الغفاري» لمحمّد جواد آل الفقيه : ص ۶۵ .