۶۲۶۱.لسان الميزان :أمّا عَلِيُّ بنُ الجَهمِ بنِ بَدرِ بنِ مُحَمَّدِ بنِ مَسعودِ بن أسَدِ بنِ ادينَةَ الساجِيُّ الشّاعِرُ في أيّامِ المُتَوَكِّلِ فَكانَ مَشهورا بِالنَّصبِ ، كَثيرَ الحَطِّ عَلى عَلِيٍّ وأهلِ البَيتِ عليهم السلام . وقيلَ : إنَّهُ كانَ يَلعَنُ أباه لِمَ سَمّاهُ عَلِيّا . ۱
7 / 2
وَضعُ الأَحاديثِ في ذَمِّهِ
۶۲۶۲.شرح نهج البلاغة :ذَكَرَ شَيخُنا أبو جَعفَرِ الإسكافِيُّ رَحِمَهُ اللّهُ تَعالى ـ وكانَ مِنَ المُتَحَقِّقينَ بِمُوالاةِ عَلِيٍّ عليه السلام ، وَالمُبالِغينَ في تَفضيلِهِ وإن كانَ القَولُ بِالتَّفضيلِ عامّاً شائِعاً فِي البَغدادِيّينَ مِن أصحابِنا كافَّةً إلّا أنَّ أبا جَعفَرٍ أشَدُّهُم في ذلِكَ قَولاً ، وأخلَصُهُم فيهِ اعتِقاداً ـ أنَّ مُعاوِيَةَ وَضَعَ قَوماً مِنَ الصَّحابَةِ ، وقَوماً مِنَ التّابِعينَ عَلى رِوايَةِ أخبارٍ قَبيحَةٍ في عَلِيٍّ عليه السلام ، تَقتَضِي الطَّعنَ فيهِ ، وَالبَراءَةَ مِنهُ ، وجَعَلَ لَهَمُ عَلى ذلِكَ جُعلاً ۲ يُرغَبُ في مِثلِهِ ، فَاختَلَقوا ما أرضاهُ ، منهم : أبو هُرَيرَةُ ، وعَمروُ بنُ العاصِ ، وَالمُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ ، ومِنَ التّابِعينَ : عُروَةُ بنُ الزُّبَيرِ .
رَوى الزُّهِريُّ أنَّ عُروَةَ بنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ ، قالَ : حَدَّثَتني عائِشَةُ ، قالَت : كُنتُ عِندَ رَسولِ اللّهِ ، إذ أقبَلَ العَبّاسُ وعَلِيٌّ ، فَقالَ : يا عائِشَةُ ، إنَّ هذَينِ يَموتانِ عَلى غَيرِ مِلَّتي !! أو قال : ديني ... .
وأمّا عَمرُو بنُ العاصِ ، فَرَوى عَنهُ الحَديثَ الَّذي أخرَجَهُ البُخارِيُّ ومُسلِمٌ في صَحيحَيهِما مُسنَدا مُتَّصِلاً بِعَمرِو بنِ العاصِ ، قالَ : سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ آلَ أبي طالِبٍ لَيسوا لي بِأَولِياءَ ، إنَّما وَلِيِّيَ اللّهُ ، وصالِحُ المُؤمِنينَ .
وأمّا أبو هُرَيرَةَ فَرَوى عَنهُ الحَديثَ الَّذي مَعناهُ أنَّ عَلِيّا عليه السلام خَطَبَ ابنَةَ أبي جَهلٍ في حَياةِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَأَسخَطَهُ ، فَخَطَبَ عَلَى المِنبَرِ وقالَ : لاهَا اللّهِ ! لا تَجتَمِعُ ابنَةُ وَلِيِّ اللّهِ وَابنَةُ عَدُوِّ اللّهِ أبي جَهلٍ ، إنَّ فاطِمَةَ بِضعَةٌ مِنّي ؛ يُؤذيني ما يُؤذيها ، فَإِن كانَ عَلِيٌّ يُريدُ ابنَةَ أبي جَهلٍ فَليُفارِقِ ابنَتي ، وَليَفعَل ما يُريدُ . أو كَلاماً هذَا مَعناهُ ، وَالحَديثُ مَشهورٌ مِن رِوايَةِ الكَرابيسِيِّ ... .
ورَوَى الأَعمَشُ قالَ : لَمّا قَدِمَ أبو هُرَيرَةَ العِراقَ مَعَ مُعاوِيَةَ عامَ الجَماعَةِ جاءَ إلى مَسجِدِ الكوفَةِ ، فَلَمّا رَأى كَثرَةَ مَنِ استَقبَلَهُ مِنَ النّاسِ جَثا عَلى رُكبَتَيهِ ، ثُمَّ ضَرَبَ صَلعَتَهُ مِرارا وقالَ : يا أهلَ العِراقِ أ تَزعُمونَ أنّي أكذِبُ عَلَى اللّهِ وعَلى رَسولِهِ ، واُحرِقُ نَفسي بِالنّارِ ! وَاللّهِ لَقدَ سَمِعتُ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ : إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَرَما ، وإنَّ حَرمي بِالمَدينَةِ ما بَينَ عَيرٍ إلى ثَورٍ ۳ ، فَمَن أحدَثَ فيها حَدَثا فَعَلَيهِ لَعنَةُ اللّهِ وَالمَلائِكَةِ وَالنّاسِ أجمَعينَ . وأشهَدُ بِاللّهِ أنّ عَلِيّا أحدَثَ فيها .
فَلمّا بَلَغَ مُعاوِيَةَ قَولُهُ ، أجازَهُ ، وأكرَمَهُ ، ووَلّاهُ إمارَةَ المَدينَةِ ... .
قالَ أبو جَعفَرٍ : وأبو هُرَيرَةَ مَدخولٌ عِندَ شُيوخِنا ، غَيرُ مَرضِيِّ الرِّوايَةِ ، ضَرَبَهُ عُمَرُ بِالدِّرَّةِ وقالَ : قَد أكثَرتَ مِن الرِّوايَةِ وأحرِ ۴ بِكَ أن تَكونَ كاذِبا عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله .
ورَوى سُفيانُ الثَّورِيُّ عَن مَنصورٍ عَن إبراهيمَ التَّيمِيِّ ، قَالَ : كانوا لا يأخُذونَ عَن أبي هُرَيرَةَ إلّا ما كانَ مِن ذِكرِ جَنَّةٍ أو نارٍ .
ورَوى أبو اُسامَةَ عَنِ الأَعمَشِ ، قالَ : كانَ إبراهيمُ صَحيحُ الحَديثِ ، فَكُنتُ إذا سَمِعتُ الحَديثَ أتَيتُهُ فَعَرَضتُهُ عَلَيهِ . فَأَتَيتُه يَوما بِأَحاديثَ مِن حَديثِ أبي صالِحٍ عَن أبي هُرَيرَةَ ، فَقالَ : دَعني مِن أبي هُرَيرَةَ ؛ إنَّهُم كانوا يَتُركونَ كَثيراً مِن حَديثِهِ .
وقَد رَوى عَن عَلِيٍّ عليه السلام أنَّهُ قالَ : ألا إنَّ أكذَبَ النّاسِ ـ أو قالَ : أكذَبَ الأَحياءِ ـ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله أبو هُرَيرَةَ الدَّوسِيُّ .
ورَوى أبو يوسُفَ قالَ : قُلتُ لِأبي حَنيفَةَ : الخَبَرُ يَجيءُ عَن رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يُخالِفُ قِياسَنا ، ما تَصنَعُ بِهِ ؟ قالَ : إذا جاءَت بِهِ الرُّواةُ الثُّقاتُ عَمِلنا بِهِ ، وتَرَكنَا الرَّأيَ . فَقُلتُ : ما تَقولُ في رِوايَةِ أبي بَكرٍ وعُمَرَ ؟ فَقالَ : ناهيكَ بِهِما . فَقُلتُ : عَلِيٌّ وعُثمانُ ؟ قالَ : كَذلِكَ . فَلَمَّا رَآني أعُدُّ الصَّحابَةَ قالَ : وَالصَّحابَةُ كُلُّهُم عُدولٌ ، ما عَدا رِجالاً ، ثُمَّ عَدَّ مِنهُم أبا هُرَيرَةَ ، وأنَسَ بنَ مالِكٍ .
ورَوى سُفيانُ الثَّورِيُّ عَن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ القاسِمِ عَن عُمَرَ بنِ عَبدِ الغَفّارِ أنَّ أبا هُرَيرَةَ لَمّا قَدمَ الكوفَةَ مَعَ مُعاوِيَةَ كانَ يَجلِسُ بِالعَشِيّاتِ بِبابِ كِندَةَ ، ويَجلِسُ النّاسُ إلَيهِ ، فَجاءَ شابٌّ مِنَ الكوفَةِ فَجَلَسَ إلَيهِ ، فَقالَ : يا أبا هُرَيرَةَ ، أنشُدُكَ اللّهَ ! أ سَمِعتَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَقولُ لِعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : اللّهُمَّ والِ مَن والاهُ ، وعادِ مَن عاداهُ ؟ ! فَقالَ : اللّهُمَّ نَعَم . قالَ : فَأَشهَدُ بِاللّهِ لَقَد والَيتَ عَدُوَّهُ ، وعادَيتَ وَلِيَّهُ . ثُمَّ قامَ عَنهُ .
ورَوَتِ الرُّواةُ أنَّ أبا هُرَيرَةَ كانَ يُؤاكِلُ الصِّبيانَ فِي الطَّريقِ ، ويَلعَبُ مَعَهُم ، وكانَ يَخطُبُ وهُوَ أميرُ المَدينَةِ ، فَيَقولُ : الحَمدُ للّهِِ الَّذي جَعَلَ الدّينَ قِياما ، وأبا هُرَيرَةَ إماما ؛ يُضحِكُ النّاسَ بِذلِكَ . وكانَ يَمشي ـ وهُوَ أميرُ المَدينَةِ ـ فِي السّوقِ ، فَإِذَا انتَهى إلى رَجُلٍ يَمشي أمامَهُ ضَرَبَ بِرِجلَيهِ الأَرضَ ، ويَقولُ : الطَّريقُ ، الطَّريقُ ، قَد جاءَ الأَميرُ ؛ يَعني نَفسَهُ .
قُلتُ : قَد ذَكَرَ ابنُ قُتَيَبَةَ هذَا كُلَّهُ في كِتابِ المَعارِفِ في تَرجَمَةِ أبي هُرَيرَةَ ، وقَولُهُ فيهِ حُجَّةٌ ؛ لِأ نُّهُ غَيرُ مُتَّهَمٍ عَلَيهِ .
قالَ أبو جَعفَرٍ : وكانَ المُغيرَةُ بنُ شُعبَةَ يَلعَنُ عَلِيّا عليه السلام لَعناً صَريحا عَلى مِنبَرِ الكوفَةِ ، وكانَ بَلَغَهُ عَن عَلِيٍّ عليه السلام في أيّامِ عُمَرَ أنَّهُ قالَ : «لَئِن رَأيتُ المُغيرَةَ لَأَرجُمَنَّهُ بِأَحجارِهِ» ؛ يَعني واقِعَةَ الزِّنا بِالمَرأَةِ الَّتي شَهِدَ عَلَيهِ فيها أبو بَكرَةَ ، ونَكَلَ زِيادٌ عَنِ الشَّهادَةِ ، فَكانَ يُبغِضُهُ لِذاكَ ولِغَيرهِ مِن أحوالٍ اجتَمَعَت في نَفسِهِ .
قالَ : وقَد تَظاهَرَتِ الرِّوايَةُ عَن عُروَةَ بنِ الزُّبَيرِ أنَّهُ كانَ يَأخُذُهُ الزَّمَعُ ۵ عِندَ ذِكرِ عَلِيٍّ عليه السلام ، فَيَسُبُّهُ ، ويَضرِبُ بِإِحدى يَدَيهِ عَلَى الاُخرى ، ويَقولُ : وما يُغني أنَّهُ لَم يُخالِف إلى ما نُهِيَ عَنهُ ، وقَد أراقَ مِن دِماءِ المُسلِمينَ ما أراقَ !
قالَ : وقَد كانَ فِي المُحَدِّثينَ مَن يُبغِضُهُ عليه السلام ، ويَروي فيهِ الأَحاديثَ المُنكَرَةَ ، مِنهُم : حريزُ بنُ عُثمانَ ، كانَ يُبغِضُهُ ، ويَنتَقِصُهُ ، ويَروي فيهِ أخباراً مَكذوبَةً ... .
قالَ أبو بَكرٍ : وحَدَّثَني أبو جَعفَرٍ ، قالَ : حَدَّثني إبراهيمُ ، قالَ : حَدَثَني مُحَمَّدُ بنُ عاصِمٍ صاحِبُ الخاناتِ ، قالَ : قالَ لَنا حَريزُ بنُ عُثمانَ : أنتُم يا أهلَ العِراقِ تُحِبّونَ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ، ونَحنُ نُبغِضُهُ . قالوا : لِمَ ؟ قالَ : لِأ نَّهُ قَتَلَ أجدادي .
ورَوَى الواقِدِيُّ أنَّ مُعاوِيَةَ لَمّا عادَ مِنَ العِراقِ إلَى الشامِ ـ بَعدَ بَيعَةِ الحَسَنِ عليه السلام وَاجتماعِ النّاسِ إلَيهِ ـ خَطَبَ ، فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ لي : إنَّكَ سَتَلِي الخِلافَةَ مِن بَعدي ، فَاختَرِ الأَرضَ المُقَدَّسَةَ ؛ فَإِنَّ فيهَا الأَبدالَ . وقَدِ اختَرتُكُم ، فَالعَنوا أبا تُرابٍ ! فَلَعَنوهُ .
فَلَمّا كانَ مِنَ الغَدِ كَتَبَ كِتابا ، ثُمَّ جَمَعَهُم فَقَرَأَهُ عَلَيهِم ، وفيهِ : هذَا كِتابٌ كَتَبَهُ أميرُ المُؤمِنينَ مُعاوِيَةُ صاحِبُ وَحِي اللّهِ الَّذي بَعَثَ مُحَمَّدا نَبِيّا وكانَ اُمِّيّا لا يَقرَأُ ولا يَكتُبُ ، فَاصطَفى لَهُ مِن أهلِهِ وَزيرا كاتِبا أمينا ، فَكانَ الوَحيُ يَنزِلُ عَلى مُحَمَّدٍ وأنَا أكتُبُهُ ، وهُوَ لا يَعلَمُ ما أكتُبُ ، فَلَم يَكُن بَيني وبَينَ اللّهِ أحَدٌ مِن خَلقِهِ .
فَقالَ لَهُ الحاضِرونَ كُلُّهُم : صَدَقتَ يا أميرَ المُؤمِنينَ .
قالَ أبو جَعفَرٍ : وقَد رُويٍ أنَّ مُعاوِيَةَ بَذَلَ لِسَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ مِئَةَ ألفِ دِرهَمٍ حَتّى يَروي أنَّ هذِهِ الآيَةَ نَزَلَت في عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِى الْحَيَوةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلى مَا فِى قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعى فِى الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ»۶ ، وأنَّ الآيَةَ الثّانِيَةَ نَزَلَتَ فِي ابنِ مُلجَمٍ ؛ وهِيَ قَولُهُ تَعالى : «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِى نَفْسَهُ ابْتِغَآءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ»۷ ، فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ مِئَتَي ألفِ دِرهَمٍ ، فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ ثَلاثَمِئَةِ ألفٍ ، فَلَم يَقبَل ، فَبَذَلَ لَهُ أربَعمِئَةِ ألفٍ ، فَقَبِلَ ، ورَوى ذلِكَ . ۸
1.لسان الميزان : ج ۴ ص ۲۱۰ الرقم ۵۵۸ .
2.الجُعل : الأجر ، يقال : جَعَلتُ لهُ جُعلاً (المصباح المنير : ص ۱۰۲ «جعل») .
3.عَيْر وثَوْر : هما جبلان ؛ عَير بالمدينة وثَور بمكّة (معجم البلدان : ج ۴ ص ۱۷۲) .
4.حريّ بكذا : أي جدير وخليق ، ويُحدّث الرجلُ الرجل ، فيقول : ما أحراه ، وأحرِ به (لسان العرب : ج ۱۴ ص ۱۷۳ «حري») .
5.الزَّمَع : رِعدَة تعتري الإنسان إذا همّ بأمر ، والزَّمَع : القَلَق (لسان العرب : ج ۸ ص ۱۴۴ «زمع») .
6.البقرة : ۲۰۴ و ۲۰۵ .
7.البقرة : ۲۰۷ .
8.شرح نهج البلاغة : ج ۴ ص ۶۳ .