۲۸۴۳.تاريخ اليعقوبي :أغارَ سُفيانُ بنُ عَوفٍ عَلَى الأَنبارِ ، فَقَتَلَ أشرَسَ بنَ حَسّانِ البَكرِيَّ ، فَأَتبَعَهُ عَلِيٌّ سَعيدَ بنَ قَيسٍ ، فَلَمّا أحَسَّ بِهِ انصَرَفَ مُوَلِّيا ، وتَبِعَهُ سَعيدٌ إلى عاناتٍ فَلَم يَلحَقهُ . ۱
۲۸۴۴.الغارات عن محمّد بن مخنف :إنَّ سُفيانَ بنَ عَوفٍ لَمّا أغارَ عَلَى الأَنبارِ قَدِمَ عِلجٌ ۲ مِن أهلِها عَلى عَلِيٍّ عليه السلام فَأَخبَرَهُ الخَبَرَ .
فَصَعِدَ المِنبَرَ فَقالَ : أيُّهَا النّاسُ ! إنَّ أخاكُمُ البَكرِيَّ قَد اُصيبَ بِالأَنبارِ وهُوَ مُعتَزٌّ لا يَخافُ ما كانَ ، فَاختارَ ما عِندَ اللّهِ عَلَى الدُّنيا فَانتَدَبوا إلَيهِم حَتّى تُلاقوهُم ، فَإِن أصَبَتُم مِنهُم طَرَفا أنكَلتُموهُم عَنِ العِراقِ أبَدا ما بَقَوا .
ثُمَّ سَكَتَ عَنهُم رَجاءَ أن يُجيبوهُ أو يَتَكَلَّموا ، أو يَتَكَلَّمَ مُتَكَلِّمٌ مِنهُم بِخَيرٍ فَلَم يَنبِس أحَدٌ مِنهُم بِكَلِمَةٍ ، فَلَمّا رَأى صَمتَهُم عَلى ما في أنفُسِهِم نَزَلَ فَخَرَجَ يَمشي راجِلاً حَتّى أتَى النُّخَيلَةَ وَالنّاسُ يَمشونَ خَلفَهُ حَتّى أحاطَ بِهِ قَومٌ مِن أشرافِهِم ، فَقالوا : اِرجِع يا أميرَ المُؤمِنينَ نَحنُ نَكفيكَ .
فَقالَ : ما تَكفونَني ولا تَكفونَ أنفُسَكُم ، فَلَم يَزالوا بِهِ حَتّى صَرَفوهُ إلى مَنزِلِهِ ، فَرَجَعَ وهُوَ واجِمٌ كَئيبٌ .
ودَعا سَعيدَ بنَ قَيسٍ الهَمدانِيَّ فَبَعَثَهُ مِنَ النُّخَيلَةِ بِثَمانِيَةِ آلافٍ ، وذلِكَ أنَّهُ اُخبِرَ : أنَّ القَومَ جاؤوا في جَمعٍ كَثيفٍ .
فَقالَ لَهُ : إنّي قَد بَعَثتُكَ في ثَمانِيَةِ آلافٍ ، فَاتَّبِع هذَا الجَيشَ حَتّى تُخرِجَهُ مِن أرضِ العِراقِ .
فَخَرَجَ عَلى شاطِئِ الفُراتِ في طَلَبِهِ حَتّى إذا بَلَغَ عاناتٍ سَرَّحَ أمامَهُ هانِئَ بنَ الخَطّابِ الهَمدانِيَّ ، فَاتَّبَعَ آثارَهُم حَتّى إذا بَلَغَ أدانِيَ أرضِ قِنَّسرينَ وقَد فاتوهُ ، ثُمَّ انصَرَفَ .
قالَ : فَلَبِثَ عَلِيٌّ عليه السلام تُرى فيهِ الكَآبَةُ وَالحُزنَ حَتّى قَدِمَ عَلَيهِ سَعيدُ بنُ قَيسٍ فَكَتَبَ كِتابا ، وكانَ في تِلكَ الأَيّامِ عَليلاً فَلَم يُطِق عَلَى القِيامِ فِي النّاسِ بِكُلِّ ما أرادَ مِنَ القَولِ ، فَجَلَسَ بِبابِ السُّدَّةِ الَّتي تَصِلُ إلَى المَسجِدِ ، ومَعَهُ الحَسَنُ وَالحُسَينُ عليهماالسلاموعَبدُ اللّهِ بنُ جَعفَرِ بنِ أبي طالِبٍ ، فَدَعا سَعدا مَولاهُ فَدَفَعَ الكِتابَ إلَيهِ فَأَمَرَهُ أن يَقرَأَهُ عَلَى النّاسِ ، فَقامَ سَعدٌ بِحَيثُ يَسمَعُ عَلِيٌّ قِراءَتَهُ وما يَرُدُّ عَلَيهِ النّاسُ ، ثُمَّ قَرَأَ الكِتابَ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
مِن عَبدِ اللّهِ عَلِيٍّ إلى مَن قُرِئَ عَلَيهِ كِتابي مِنَ المُسلِمينَ ، سَلامٌ عَلَيكُم .
أمّا بَعدُ ، فَالحَمدُ للّهِِ رَبِّ العالَمينَ ، وسَلامٌ عَلَى المُرسَلينَ ، ولا شَريكَ للّهِِ الأَحَدِ القَيّومِ ، وصَلَواتُ اللّهِ عَلى مُحَمَّدٍ وَالسَّلامُ عَلَيهِ فِي العالَمينَ .
أمّا بَعدُ ، فَإِنّي قَد عاتَبتُكُم في رُشدِكُم حَتّى سَئِمتُ ، أرجَعتُموني بِالهُزءِ مِن قَولِكُم حَتّى بَرِمتُ ، هَزِءَ مَنِ القَولُ لا يُعاديهِ ، وخَطِلَ مَن يُعِزُّ أهلَهُ ، ولَو وَجَدتُ بُدّا مِن خِطابِكُم وَالعِتابِ إلَيكُم ما فَعَلتُ ، وهذا كِتابي يَقرَأُ عَلَيكُم فَرُدّوا خَيرا وَافعَلوهُ ، وما أظُنُّ أن تَفعَلوا ، فَاللّهُ المُستعانُ . ۳