راجع : ص 272 (نقض التوبة والمعاهدة) .
5 / 12
آخِرُ ما أدّى إلى قَتلِ عُثمانَ
۱۲۱۷.الفتوح :أرسَلَ عُثمانُ إلى عَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ رضى الله عنه ، فَدَعاهُ فَقالَ : يا أبَا الحَسَنِ ! أنتَ لِهؤُلاءِ القَومِ ، فَادعوهُم إلى كِتابِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ وَاكفِني مِمّا يَكرَهونَ .
فَقالَ لَهُ عَلِيٌّ : إن أعطَيتَني عَهدَ اللّهِ وميثاقَهُ أنَّكَ توفي لَهُم بِكُلِّ ما اُعطيهِم فَعَلتُ ذلِكَ .
فَقالَ عُثمانُ : نَعَم يا أبَا الحَسَنِ ، أضمَنُ لَهُم عَنّي جَميعَ ما يُريدونَ .
قالَ : فَأَخَذَ عَلِيٌّ عَلَيهِ عَهدا غَليظا وميثاقا مُؤَكَّدا ، ثُمَّ خَرَجَ مِن عِندِهِ فَأَقبَلَ نَحوَ القَومِ ، فَلَمّا دَنا مِنهُم قالوا : ما وَراءَكَ يا أبَا الحَسَنِ فَإِنَّنا نُجِلُّكَ ؟
فَقالَ : إنَّكُم تُعطَونَ ما تُريدونَ ، وتُعافَونَ مِن كُلِّ ما أسخَطَكُم ، ويُولّى عَلَيكُم مَن تُحِبّونَ ، ويُعزَلُ عَنكُم مَن تَكرَهونَ .
فَقالوا : ومَن يَضمَنُ لنا ذلِكَ ؟
قالَ عَلِيٌّ : أنَا أضمَنُ لَكُم ذلِكَ .
فَقالوا : رَضينا .
قالَ : فَأَقبَلَ عَلِيٌّ إلى عُثمانَ ومَعَهُ وُجوهُ القَومِ وأشرافُهُم ، فَلَمّا دَخَلوا عاتَبوهُ فَأَعتَبَهُم مِن كُلِّ ما كَرِهوا .
فَقالوا : اُكتُب لَنا بِذلِكَ كِتابا ، وأدخِل لَنا في هذَا الضَّمانِ عَلِيّا بِالوَفاءِ لَنا بِما في كِتابِنا .
فَقالَ عُثمانُ : اُكتُبوا ما أحبَبتُم وأدخِلوا في هذَا الضَّمانِ مَن أرَدتُم .
قالَ : فَكَتَبوا :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، هذا كِتابٌ مِن عَبدِ اللّهِ عُثمانَ بنِ عَفّانَ أميرِ المُؤمِنينَ لِجَميعِ مَن نَقَمَ عَلَيهِ مِن أهلِ البَصرَةِ وَالكوفَةِ وأهلِ مِصرَ : أنَّ لَكُم عَلَيَّ أن أعمَلَ فيكُم بِكِتابِ اللّهِ عَزَّوجَلَّ وسُنَّةِ نَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه و آله ، وأنَّ المَحرومَ يُعطى ، وَالخائِفَ يُؤمَنُ ، وَالمَنفِيَّ يُرَدُّ ، وأنَّ المالَ يُرَدُّ عَلى أهلِ الحُقوقِ ، وأن يُعزَلَ عَبدُ اللّهِ بنُ سَعدِ بنِ أبي سَرحٍ عَن أهلِ مِصرَ ، ويُوَلّى عَلَيهِم مَن يَرضَونَ .
قالَ : فَقالَ أهلُ مِصرَ : نُريدُ أن تُوَلِّيَ عَلَينا مُحَمَّدَ بنَ أبي بَكرٍ .
فَقالَ عُثمانُ : لَكُم ذلِكَ .
ثُمَّ أثبَتوا فِي الكِتابِ :
وأنَّ عَلِيَّ بنَ أبي طالِبٍ ضَمينٌ لِلمُؤمِنينَ بِالوَفاءِ لَهُم بِما في هذَا الكِتابِ ، شَهِدَ عَلى ذلِكَ : الزُّبَيرُ بنُ العَوّامِ ، وطَلحَةُ بنُ عُبَيدِ اللّهِ ، وسَعدُ بنُ أبي وَقّاصٍ ، وعَبدُ اللّهِ بنُ عُمَرَ ، وزَيدُ بنُ ثابتٍ ، وسَهلُ بنُ حُنَيفٍ ، وأبو أيّوبَ خالِدُ بنُ زَيدٍ . وكُتِبَ في ذِي الحِجَّةِ سَنَةَ خَمسٍ وثَلاثينَ .
قالَ : فَأَخَذَ أهلُ مِصرَ كِتابَهُم وَانصَرَفوا ، ومَعَهُم مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ أميرا عَلَيهِم ، حَتّى إذا كانوا عَلى مَسيرَةِ ثَلاثَةِ أيّامٍ مِنَ المَدينَةِ وإذا هُم بِغُلامٍ أسوَدَ عَلى بَعيرٍ لَهُ يَخبِطُ خَبطا عَنيفا .
فَقالوا : يا هذا ! اِربَع قَليلاً ما شَأنُكَ ؟ كَأنَّكَ هارِبٌ أو طالِبٌ ، مَن أنتَ ؟
فَقالَ : أنا غُلامُ أميرِ المُؤمِنينَ عُثمانَ وَجَّهَني إلى عامِلِ مِصرَ .
فَقالَ لَهُ رَجُلٌ مِنهُم : يا هذا ! فَإِنَّ عامِلَ مِصرَ مَعَنا .
فَقالَ : لَيسَ هذَا الَّذي اُريدُ .
فَقالَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ : أنزِلوهُ عَنِ البَعيرِ ، فَحَطّوهُ ، فَقالَ لَهُ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرِ : أصدِقني غُلامُ مَن أنتَ ؟
قالَ : أنَا غُلامُ أميرِ المُؤمِنينَ .
قالَ : فَإِلى مَن اُرسِلتَ ؟
قالَ : إلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ عاملِ مِصرَ .
قالَ : وبِماذا اُرسِلتَ ؟
قالَ : بِرِسالَةٍ .
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ : أ فَمَعَكَ كِتابٌ ؟
قالَ : لا .
فَقالَ أهلُ مِصرَ : لَو فَتَّشناهُ أيُّهَا الأَميرُ ؛ فَإِنَّنا نَخافُ أن يَكونَ صاحِبُهُ قد كَتَبَ فينا بِشَيءٍ ، فَفَتَّشوا رَحلَهُ ومَتاعَهُ ونَزَعوا ثِيابَهُ حَتّى عَرَّوهُ فَلَم يَجِدوا مَعَهُ شَيئا ، وكانَت عَلى راحِلَتِهِ إداوَةٌ ۱ فيها ماءٌ ، فَحَرَّكوها فَإِذا فيها شَيءٌ يَتَقَلقَلُ ، فَحَرَّكوهُ لِيَخرُجَ فَلَم يَخرُج .
فَقالَ كِنانَةُ بنُ بَشرٍ التَّجيبي : وَاللّهِ ! إنَّ نَفسي لَتُحَدِّثُني أنَّ في هذِهِ الإِداوَةِ كِتابا .
فَقالَ أصحابُهُ : وَيحَكَ ! ويَكونُ كِتابٌ في ماءٍ ؟
قالَ : إنَّ النّاسَ لَهُم حِيَلٌ ، فَشَقَّوُا الإِداوَةَ فَإِذا فيها قارورَةٌ مَختومَةٌ بِشَمعٍ ، وفي جَوفِ القارورَةِ كِتابٌ ، فَكَسَرُوا القارورَةَ وأخرَجوا الكِتابَ ، فَقَرأَهُ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ فَإِذا فيهِ :
بِسمِ اللّهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ ، مِن عَبدِ اللّهِ عُثمانَ أميرِ المُؤمِنينَ إلى عَبدِ اللّهِ بنِ سَعدٍ ، أمّا بَعدُ ، فَإِذا قَدِمَ عَليكَ عَمرُو بنُ يَزيدَ بنِ وَرقاءَ فَاضرِب عُنُقَهُ صبرا ، وأمّا عَلقَمَةُ بنُ عُدَيس البلوي ، وكِنانَةُ بنُ بشرٍ التَّجيبي ، وعُروَةُ بنُ سَهمٍ اللَّيثيُّ ، فَاقطَع أيدِيَهُم وأرجُلَهُم مِن خِلافٍ ودَعهُم يَتَشَحَّطونَ في دِمائِهِم حَتّى يَموتوا ، فَإِذا ماتوا فَاصلِبهُم عَلى جُذوعِ النَّخلِ ، وأمّا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ فَلا يُقبَلُ مِنهُ كِتابُهُ وشُدَّ يَدَكَ بِهِ ، وَاحتَل في قَتلِهِ ، وقَرَّ عَلى عَمَلِكَ حَتّى يَأتِيَكَ أمري إن شاءَ اللّهُ تَعالى .
فَلَمّا قَرأَ مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكرٍ الكِتابَ رَجَعَ إلَى المَدينَةِ هُوَ ومَن مَعَهُ ، ثُمَّ جَمَعَ أصحابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله وقَرَأَ عَلَيهِمُ الكِتابَ وأخبَرَهُم بِقِصَّةِ الكِتابِ .
فَلَم يَبقَ بِالمَدينَةِ أحَدٌ إلّا حَنَقَ عَلى عُثمانَ ، وَاشتَدَّ حَنَقُ بَني هُذَيلٍ خاصَّةً عَلَيهِ لِأَجلِ صاحِبِهِم عَبدِ اللّهِ بنِ مَسعودٍ ، وهاجَت بَنو مَخزومٍ لِأَجلِ صاحِبِهِم عَمّارِ بنِ ياسِرٍ ، وكَذلِكَ غِفارٌ لِأَجلِ صاحِبِهِم أبي ذَرٍّ .
ثُمَّ إنَّ عَلِيّا أخَذَ الكِتابَ وأقبَلَ حَتّى دَخَلَ عَلى عُثمانَ ، فَقالَ لَهُ : وَيحَكَ ! لا أدري عَلى ماذا أنزِلُ ! استَعتَبَكَ القَومُ فَأَعتَبتَهُم بِزَعمِكَ وضَمِنتَني ثُمَّ أحقَرتَني ، وكَتَبتَ فيهِم هذَا الكِتابَ !
فَنَظَرَ عُثمانُ فِي الكِتابِ ثُمَّ قالَ : ما أعرِفُ شَيئا مِن هذا ! !
فَقالَ عَلِيٌّ : الغُلامُ غُلامُكَ أم لا ؟
قالَ عُثمانُ : بَل هُوَ وَاللّهِ غُلامي ، وَالبَعيرُ بَعيري ، وهذَا الخاتَمُ خاتَمي ، وَالخَطُّ خَطُّ كاتِبي .
قال عَلِيٌّ رضى الله عنه : فَيَخرُجُ غُلامُكَ عَلى بَعيرِكَ بِكِتابٍ وأنتَ لا تَعلَمُ بِهِ ؟
فَقالَ عُثمانُ : حَيَّرتُكَ يا أبَا الحَسَنِ ! وقَد يُشبِهُ الخَطُّ الخَطَّ وقَد تَختِمُ عَلَى الخاتَمِ ، ولا وَاللّهِ ما كَتَبتُ هذَا الكِتابَ ، ولا أمَرتُ بِهِ ، ولا وَجَّهتُ هذَا الغُلامَ إلى مِصرَ .
فَقالَ عَلِيٌّ : لا عَلَيكَ ، فَمَن نَتَّهِمُ ؟ قالَ : أتَّهِمُكَ وأتَّهِمُ كاتِبي !
قالَ عَلِيٌّ : بَل هُوَ فِعلُكَ وأمرُكَ . ثُمَّ خَرَجَ مِن عِندَهُ مُغضَبا . ۲