وقد يقال: المعرفة والتصديق بمعنى واحد لأنّ الكلام في الاعتقاد، وهو متضمّنٌ للنسبة والقبول والحكم والإثبات والإيقاع والإذعان، فالمعرفة المرادة هنا هي المعرفة التصديقيّة، لا في مطلق الإدراك والعلم الشامل لمطلق المعرفة والتصوّر، وأنّ الاختيارية والاكتسابيّة فيهما إنّما هي باعتبار أسباب الإدراك ومباشرة الأسباب وصرف النظر ورفع الموانع وعدمها، على أنّ الإيمان لا يشترط تحقّقه بالاكتساب والاختيار، فإنّ مَن حصل له العلم بصدق المخبِر بمجرّد مشاهدة المعجزة وصفاء النفس من دون اكتساب وإعمال نظرٍ وتجشمّ استدلال تَحقَّق له الإيمان قطعا، إلاّ أنّ هذا الفرد نادر لا يحصل إلاّ لذوي الأنفس القدسيّة، فكأنّه معدوم ولهذا أعتبروا في الإيمان الاختيار، وعرّفوه بما هو ظاهر في الاكتساب أعني التصديق دون المعرفة؛ فتأمّل.
وأمّا قضيّة الإثابة، فالكسبي منه يثاب على تحصيله وإثباته وإدامته.
وأمّا غير الكسبي فإنّه وإن لم يتحقّق للعبد فيه فعل لكنّه يثاب على العزم على البقاء عليه وعلى آثاره واستدامة حكمه فإنّه فعله.
وأمّا كيفيّة حصول الإيمان والتصديق الشرعي فالأقوال فيه ستّةٌ :
الأوّل: اعتبار حصوله على سبيل القطع واليقين من النظر والاستدلال. وهو
المعروف عن الأكثر ۱ ، وادّعى عليه العلاّمة قدس سره إجماعَ العلماء كافّة ۲ .
الثاني: اعتبار العلم مطلقا ولو من التقليد ۳ .
1.كالشيخ الطوسي في العدّة ۲ : ۷۳۰، والمحقق في المعارج : ۱۹۹ والشهيدان في الألفيه وشرحها، المقاصد العلية : ۳۸.
2.الباب الحادي عشر : ۳ . ۴.
3.نسبه الشهيد الثاني في المقاصد العلية (۴۵ . ۴۶) إلى جماعة من المحقّقين منّا ومن الجمهور .