شرح دعاي كميل - صفحه 205

متضافرة متوافرة، قال اللّه تعالى: «اُدْعُونِياَسْتَجِبْ لَكُمْ»۱ وهو من شعار الصالحين، ودأب الأنبياء والمرسلين، ومقام الموحّدين والسالكين؛ لكونه مشعرا بالذلّ والانكسار، ومُظِهرا لصفة العجز والافتقار، وهو لا ينافي القضاء ولا يدافع الرضى، ولا يباين ماثبت بالعقل الصريح والنقل الصحيح من أنّه لا رادّ لقضائه، ولا معقّب لحكمه، ولا تبدّل حكمته الوسائل، ولا تغيّر مشيّته المسائل، وأنّ الأقدار سابقة والأقضيةَ جارية و أنّ القلم قد جفّ بما هو كائن إلى يوم القيامة، وأنّ المقدّر كائنٌ لا محالة، فإذا اقتضت حكمته وقوعَ أمرٍ أو لا وقوعَه فلابدّ من تحقّق ما اقتضته، والدعاء لا يزيد فيها ولا ينقص؛ على أنّ المقصود إن كان من مصالح العبد في دينه أو دنياه فالجواد المطلق لا يبخل به، وإن لم يكن من مصالحه فلا يعطيه الحكيم العدل.
ومن إيمان المرء أن يعلم يقينا أنّ ما أصابه لم يكن ليخطأه، وأنّ ما أخطأه لم يكن يصيبهُ، وأنّه لن يصيبه إلاّ ما كتب اللّه له وإن اشتدّت طلبته وعظمت حيلته وقويت مكيدته؛ وذلك لأنّ من المحقّقات في حاقّ التحقّق والمقررّات في متن التقرّر أنّ جميع ما في هذا العالم ممّا وقع ويقع من الكلّيّات والجزئيّات من الأزل إلى الأبد فهو بهيأته وزمانه في عالم آخر قبل وجوده، واللّه جلّ جلاله عالم بالكلّ على ما هو عليه في الأزل ، علما إحاطيّا إشراقيّا حضوريّا.
ويعبّر عن هذا المقام بالقضاء، وعن المقام الأوّل . أعني خروج معلوماته سبحانه إلى الفعل مفصّلة بحسب حكمته ومشيّته بحصول شرائطها وارتفاع موانعها كلّ في وقته . بالقدر .
وبالجملة: القدر تفصيل القضاء والقضاء إجمال القدر، وهما إنّما يكونان ويجريان بتوسّط أسباب وعلل مرتّبة منظّمة في جميع ما في هذا العالم كما قال

1.غافر ( ۴۰ ) : ۶۰ .

صفحه از 264