شرح دعاي كميل - صفحه 206

تعالى: «وآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ سَبَبا»۱ فعند اجتماع الأسباب والشرائط . أعني حصول العلّة التامّة . يجبُ وجوب المقدَّر المَقضيّ، وعند تخلّف شيء منها بقي وجوده في حيّز الإمكان، فالمقدّر والمقضيّ هو حصول الشيء بعد حصول أسبابه وشرائطه، بل المسبّب بدون السبب ليس بمقدور.
والحاصل: أنّ الأسباب والوسائط والروابط معتبرة في جميع أمور هذا العالم، فكما أنّ اللّه تعالى جعل الغذاء موجبا للشبع والدواءَ شرطا لزوال المرض وطلوعَ الشمس سببا لضوء النهار، وهكذا جعل بعض الذنوب مغيّرا للنعم وبعضها منزّلاً للنقم وبعضها حابسا للدّعاء وبعضها قاطعا للرجاء، وجعل الدعاء والطلب والسؤال واسطةً ووسيلةً ورابطةً في قضاء الأوطار والحوائج، وجعلها مفتاحا للخيرات والبركات والاستكمالات والترقيات، فالعبد لابدّ أن يدعو حتّى يصل إلى مطلوبه.
ولم يكن ذلك خارجا عن قانون القضاء السابق وناسخا للكتاب المسطور، بل هذا هو مجرى القضاء والقدر؛ فإذا أراد اللّه بعبدٍ خيرا هيّأ له أسبابه، وفتح له بابه، و وفّقه للدعاء والتوبة والطاعة. شعر بالفارسية:

چون خدا خواهد كه غفّارى كند ميل بنده جانب زارى كند
ولأنّ الدعاء بأمر اللّه وتوفيقه، ومنبعثٌ ممّا انبعث منه القضاء، كان يقاوم القضاء ويردّ البلاء؛ وليس يقاوم القضاء من حيث إنّه فعل العبد وصادرٌ منه، فإنّه من هذه الحيثيّة ممّا يتحكّم فيه القضاء، مثلاً: إذا أمر الملك أحدا بضرب ولده فإنّ يد المأمور من حيث إنّه مأمور من الملك ويده يده، يتسلّط على ولد الملك ويتحكّم فيه، ولو كان من حيث هو هو فكلاّ وحاشا أن يستطيع لذلك.
ثمّ اعلم أنّ اللّه لا يشاء ولا يريد بعبده إلاّ ما يراه ويعلمه مستعدّا قابلاً له

1.الكهف ( ۱۸ ) : ۸۴ .

صفحه از 264