شرح دعاي كميل - صفحه 208

والمدعوّ به.
فالواجب والمهمّ للداعي معرفة هذه الأركان الأربعة، بأن يعرف نفسه بالافتقار المحض والانكسار البحت والعجز الصرف، ويعرف مدعوّه بأنّه الرحمن الرحيم السميع البصير، ولا مؤثّر في الوجود إلاّ هو، وأنّه مجيب الدعوات ومعطي المسئولات؛ ويعرف المدعوّ له، بأن يكون مسألته فيما يبقى له جماله ويفنى عنه وباله، ويكون مطالبه على حدّه وقدره ومنزلته ، ومآربه على وفق صلاحه ومصلحته، أعني يطلب ويرجو ربّه ما يليق بحكمته ويوافق رضاه، ولا يطلب فوق ذلك فيكون من المعتدين، والمشتملُ على ذلك الأدعية المأثورة عن أهل بيت النبوّة ومعدن الحكمة.
ويعرف المدعوّ به أعني وسيلته وبابه وواسطته وسببه إلى ربّه، كأن يعرف أن لا وسيلة له ولا واسطة بينه وبين ربّه إلاّ اسمه الأعظم ونوره الأقدم ووجهه الأكرم المكرّم، فوّارة الرحمة، عين الحياة محمّد وآله الطاهرين صلوات اللّه عليهم أجمعين.
ويكون توجّهه إليه وبه على صدق النيّة وخلوص العقيدة، معتقدا أنّ الأبواب منسدّة إلاّ هذا الباب، وأنّ من أراد اللّه بدأ به ۱ .
والمتكفّل لهذه الأركان الأربعة بغاية الفصاحة في الألفاظ، ونهاية البلاغة في الإيجاز قوله عليه صلوات اللّه : (اللَّهُمَّ إنِّي أسْأَلُكَ) فبـ «اللهمَّ» يعرف المدعوّ وبـ «إنِّي» يشير إلى نفسه وتعيّنه وهويّته وإنيّته، لكن لا من حيث هو هو، وموجود على حياله وله شأن من الشؤن؛ بل بما هو مفتقر محض وموجودٌ بالمدعوّ، قائم به، وليس صرفٌ ولا شيء بحت. على أنّ ملاحظة النفس والالتفات إلى مقام السائل وإثبات إنيّته وبعده عن ساحة الربّ الجليل وبينونته عن مقرّبي حضرته في بدء

1.في الزيارة الجامعة لجميع الأئمة : «من أراد الله بدأ بكم ...»

صفحه از 264