شرح دعاي كميل - صفحه 210

ويكون ممدوحا إذا كان من اللّه سبحانه ومتوجّها إليه تعالى، وكأنّ كلّما كان بالتذلّل والتضرّع أقرب،كان بالمدح أنسب .
ومن لوازم الدناءة والمهانة الإنابةُ وإثبات الإنيّة، وملاحظة النفس، والالتفات إلى مقام السائل، وبُعُده عن ساحة عزّة الربّ المسئول وجلال الحقّ المأمول كما هو، لإقحام إنّي وأنا ونحوهما مدلول؛ وهذا لبدو السلوك وأوّل الأمر وابتداء الدعاء معلول، ولأهل الذوق والمعرفة معقول، ولأهل السؤال والسلوك مقبول، كما سبق إليه الإيماء وهو غير مذهول.
قوله عليه السلام : (بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) الرحمة : العطف والبرّ، والمراد هنا إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه، وهي مظهر الربوبيّة المطلقة وكمالها وبروزها، فإنّ الألوهيّة أعني الموجوديّة التامّة لاتتمّ ولا تظهر إلاّ بالربوبيّة، والربوبيّة والتربية الكاملة لا تتمّ ولا تظهر إلاّ بالرحمة الواسعة لكلّ شيء؛ ولهذا أردف اسم الذات والدالّ على الألوهيّة بصفة الرحمة في البسملة الذي لا يتمّ ولا يكمل أمرٌ إلاّ به ۱ ، وأردفه في مقام الحمد باسم الربّ فقال تعالى شأنه: «اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبّ الْعالَمِين» عالم العقول وسكّانها، وعالم النفوس وقطّانها، وعالم البرزخ وجلوسها، وعالم الناسوت وقعودها.
بعبارةٍ أخرى: حضرة الجبروت وحضرة الملكوت الأعلى وحضرة الملكوت الأسفل وحضرة الناسوت والملك بمجرّدها ومؤدّيها وعاليها وسافلها وجوهرها وعرضها وبسيطها ومركّبها غيبها وشهودها. وبالجملة كلّما في الوجود ممّا سواه . تعالى شأنه . داخل تحت رحمة اللّه . جمّت آلائه . مشمول لها .
ولتوضيح المقال نقول مستمدّا من عنايته ورحمته: إنّ للّه . علت آياته . رحمتين: رحمةً بها وجد ما وجد وجعل ما جعل وخلق ما خلق من الذرّة إلى

1.إشارة إلى مضمون الحديث المشهور «كلّ أمر لم يبدأ فيه بالبسملة فهو أبتر» .

صفحه از 264