شرح دعاي كميل - صفحه 217

منهم بأوّل قارورة؛ مع أنّها معارضة لصريح العقل وقويّ الرأي، فإنّ العقل أوجب انحصار الموجود في الواجب والممكن ولا ثالث لهما قطعا، وإذا ثبت بالبرهان وحدة الواجب فكلّ ما سواه من الذرّة إلى الدرّة من المجرّدي والمادّي . كائنا ما كان . ممكن بالإمكان الواقعيّ، وله ماهيّةٌ قابلة للوجود، وكلّ ممكن فهو جائز العدم والزوال والفناء والاضمحلال. وهذه قضيّة قياسها معها، فلا تذهل.
قوله عليه السلام : (وَبِعِلْمِكَ الَّذِي أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ) مسألة العلم معركة آراء الحكماء ومطرح أنظار العقلاء، واستقصاء المقال فيه يوجب العسرة والكلال، واستقراء ما قيل وما يقال فيه يورث الحيرة والضلال، فالاقتصار على المختار أولى، والاكتفاء على المشتار أحرى.
فنقول: في إثبات العلم له طريقان:
الأوّل للمتكلّم، وهو أنّه تعالى فاعل أفعالٍ محكمة متقنة يتحيّر فيها العقول والأوهام، وكلّ من كان كذلك فهو عالم، أمّا الكبرى فبالضرورة؛ فإنّ من رأى خطوطا مليحة حسنةً، أو سمع ألفاظا بليغةً طيّبةً مُنبئة عن معان دقيقة وأغراض شريفة، أو شاهد نقوشا رشيقةً بديعةً، علم قطعا وقطع يقينا أنّ فاعلَها وصانِعَها عالمٌ علما كاملاً.
وأمّا الصغرى فغنيّةٌ عن البيان، وبطريق أوفى: إنّ العلم كمال مطلق لمطلق الوجود بما هو موجود، وكلّما كان كمالاً لا يكون ممتنعا للواجب تعالى ، وكلُّ ما لا يمتنع عليه فهو واجب الحصول؛ إذ ليس له سبحانه قوّة إمكانيّة وحالة منتظرة، وإلاّ لكان تعالى فاقدا في حدّ ذاته لذلك الكمال، وفقد الكمال نقصٌ . تعالى شأنه عن ذلك . فهو تعالى عالم بذاته يدرك ذاته بذاته لا بأمر زائد، ويدرك جميع الأشياء من الدرّة إلى الذرّة من الأزل إلى الأبد بما كان وما يكون بأسبابها ومسبّباتها، وبتجدّدها وثباتها ودوامها وتصرّمها دفعة واحدة، بالإشراق الحضوري

صفحه از 264