شرح دعاي كميل - صفحه 218

والعلم الإشراقي.
وعلمه تعالى بذاته هو كونه نورا بذاته وظاهرا لذاته، وعلمه بما سواه هو كونه ظاهرا له حاضرا لديه ظُهورا وحضورا لا أتمّ ولا أكمل ولا أعلى منه؛ فإنّ ما سواه طرّا من الأزل إلى الأبد في جنب إحاطته الإشراقيّة وسلطنتِه النوريّة القاهرة كالنقطة الواحدة، وسلسلة الزمان كلاًّ كالآن الواحد.
ثُمّ إنّه تعالى إذا علم شيئا كان له إضافة مبدئيّة إليه تعالى، فإذا بطلت صورته بطلت تلك الإضافة إليه، ولا يلزم من بطلان الإضافة تغيّره تعالى؛ إذ لا يلزم من تغيّر الإضافات تغير المضاف إليه، كانتقال ما على اليمين إلى اليسار مع بقاء الشخص بحاله، وكما أنّ الشمس يدور معها الضياء حيث ما دارت ولا طلوع ولا غروب عندها، وتغيّر المستشرق بها وتبدّله لا يوجب تغيّرا فيها.
وأمّا طريقة الحكماء فنقول: إنّ ذاته تعالى علّة لجميع ما سواه؛ لأنّ العلّة المؤثّرة المستقلّة التامّة يجب أن يسدّ جميع أنحاء عدم المعلول، ولا يتأتّى ذلك بالعلل الإمكانيّة؛ لأنّ من جملة أنحاء عدم معلولها انعدامه بانعدامها، ولا يمكنها سدّ انعدام نفسها، فجميع الممكنات . ولو كانت غير متناهية . في حكم ممكن واحد في جواز طريان العدم عليها، فالسدّ المذكور لا يتمشّى إلاّ من العلّة الوجوبيّة، فواجبُ الوجوب بالذّات مبدأ سلسلة الممكنات وسادّ خلّة المحتاجات، وذاته تعالى مجرّد صرف وفعليّة محض، ما فيه شائبة مادّة ورائحة استعداد، وكلّ من هو كذلك فهو عالم بذاته لذاته لا بأمر زائد؛ فهو تعالى عالم بذاته الّذي هو من حيث هو علّة لغيره، والعلم بالعلّة بوصف كونه علّة مستلزم للعلم بالمعلول لما بينهما من التّضايف، كالعلم بالنار التي هي علّة للسخونيّة من حيث إنّها مسخّنةٌ؛ فهو جَلّ شأنه عالم بمعلوله الأوّل. ولأنّ المعلول الأوّل علّة للمعلول الثاني، وهو تعالى عالم به بوصف كونه علّة لغيره، فهو تعالى عالم بمعلوله أيضا، وهكذا إلى آخر سلسلة الموجودات. وهذا برهان قويّ لا يحوم حوله ريبٌ وشكٌّ.

صفحه از 264