النعمة الشاملة، وأنّ العبد وإن وصل ما وصَلَ وبلغ ما بلغ من الكمال فلا يمكنه طيّ منازل الكثرة ومراحلِ التفرقة وطرحُ البُعد من البين والخروجُ من الأين إلى مقام القرب والفناء في العين، إلاّ بفضله وجوده وكرمه وبركة ذكره وكرامة شكره، فقام مقام العبوديّة والشهود وتبهّل إلى الحقّ المعبود، فقال:
(اللَّهُمَّ إنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ بِذِكْرِكَ وَأَسْتَشْفِعُ بِكَ إِلَى نَفْسِكَ وأَسْأَلُكَ بِجُودِكَ أَنْ تُدْنِيَنِي مِنْ قُرْبِكَ وَأَنْ تُوزِعَنِي شُكْرَكَ وَأَنْ تُلْهِمَنِي ذِكْرَك).
والاستشفاع طلب الشفيع والمعين لإعانة فيما لا يقدر عليه. والباء مثلها في قوله:
مضى زمن والنّاس يستشفعون بي.
ولدفع توهّم التجوّز من جهة استبعاد كون شخص واحد شافعا ومشفوعا إليه أقحم لفظ النفس بين إلى ومجرورها، وهذا هو التوحيد الذاتي.
قوله عليه وعلى آبائه السلام: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ سُؤَالَ خَاضِعٍ) الخضوع قريب من الخشوع ، أو هو في البدن والخشوع في الصوت والبصر ، أو هو بالقلب و ذلك بالجوارح.
(مُتَذَلِّلٍ خَاشِعٍ أَنْ تُسَامِحَنِي) المسامحة: الجود والعفو والمساهلة.
(وَتَرْحَمَنِي وَتَجْعَلَنِي بِقِسْمِكَ) أي بحظّي أو نصيبي الذي أعطيتني (رَاضِيا قَانِعا) أي تاركا لطلب الزائد على ما أعطيتني.
وقد يقال: القناعة هي ترك طلب الزائد على ما تندفع به الحاجة مع رغبةٍ ضعيفة فيه، والرضى هو الترك من غير رغبةٍ وفرحٍ بحصول الزائد وإن كان مع ذلك كارها لحصول الزائد، فالرضى أعلى من الزهد.
قوله عليه السلام : (وَفِي جَمِيعِ الاْءَحْوَالِ مُتَوَاضِعا) إذا عرف الإنسان نفسه أوّل خلقه ووسطه وآخره وأنّه كان بالأمس نطفة ثمّ هو غدا جيفة، علم أنّه أذلّ ذليل وأقلّ قليل، وأنّه
لا يليق به إلاّ التذلّل دون الترفّع والتكبّر.