شرح دعاي كميل - صفحه 232

قوله عليه السلام : (اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ) إسقاط «إنّي» إمّا لحصول القرب والوصال والالتفات التامّ إلى المدعوّ والانقطاع عمّا سواه مطلقا، وإمّا للحرص على السؤال وفرط الاهتمام به بحيث يذهل عن السائل .
(سُؤَالَ مَنِ اشْتَدَّتْ فَاقَتُهُ) الفاقة: الفقر وهو عدم وفاء المال والكسب لمؤونته وموءونة عياله، واشتداده هو درجة الاضطرار والاحتياج إلى ما تندفع به الضرورة بعد فقده.
قوله عليه السلام : (وَأَنْزَلَ بِكَ عِنْدَ الشَّدَائِدِ حَاجَتَهُ، وَعَظُمَ فِيمَا عِنْدَكَ رَغْبَتُهُ) يعني: سؤال من تيقّن أو أيقن وتبصّر وأبصر أنّ ما دون عرشك إلى قرار أرضك السابعة السفلى باطل مضمحلّ، ما عدا وجهك الكريم، وأنّ «ما عند الناس ينفد وما عند اللّه باق» ۱ ، فانقطعَ عن الكلّ ورغب إليك وتوجّه إليك بحاجته وخصّك بسؤاله وطلب منك رفع فاقته، فحقّ عليك أن لا تخيّبه ولا تردّه ولا تمنعه.
(اللَّهُمَّ عَظُمَ سُلْطَانُكَ وَعَلاَ مَكَانُكَ) ليس المراد هنا هو الحيّز الذي من لوازم الجسم بالبداهة، بل المراد تصوير عظمته وتمثيل عزّ جلاله وبيان علوّ شأنه من أن يصل إليه أيدي الأوهام، ولهذا قد يقال: «المكان» مصدر ميميّ بمعنى الكون والوجود.
(وَخَفِيَ مَكْرُكَ) مكر اللّه استعارة لاستدراجه العبد وأخذه من حيث لا يحتسب.
(وَظَهَرَ أمْرُكَ) أمر اللّه دينه وشرعه، ويحتمل أن يراد بأمره تعالى القدر النازل على وفق القضاء، والمراد بظهوره وقوعه وحصوله سواء كان مكروها للخلق أو محبوبا، وقد يعبّر عنه بكلمة «كن» الوجودي الساري في جميع الموجودات «أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالاْءَمْرُ»۲.

1.النحل (۱۶)، الآية ۱۳: «ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ» .

2.الأعراف (۷) : ۵۴.

صفحه از 264