شرح دعاي كميل - صفحه 239

والتحريكيّة، من شأنها إفادة الحسّ والحركة للبدن. وهذا هو الدور الحيواني بعد الدور النباتي ، واللّه «يصوِّركم في الأرحام كيف يشاء»۱ وهذا حديث اجمالي من التصوير الرحميّ يفصّله علم التشريح.
ثمّ يخرج المولود من بطن الأمّ إلى رحم الأرض متدرّجا في الدور الحيوانيّ إلى الكمال درجةً فدرجةً ، متقرّبا إلى حضرة ذي الجلال شبرا فشبرا، والحقّ القدس يتقرّب إليه ذراعا فذراعا، حتّى إذا قوى مزاجه، وكمل استعداده، وصفى طباعه أفاض عليه الفيّاض الأقدس صورة كماليّة أشرف وأبهى، وليس من جنابه خلعةً أكمل وأجمل وأسنى، هي الصورة الإنسانيّة والنفس الناطقة الملكوتيّة واللمعة النورانيّة والشعلة الشّعشعانيّة. وهذه الصورة البهيّة إنّما تفاض من المبدأ الفيّاض على قدر الاستعداد، فكلّما كان المزاج أتمّ وأعدل كان النفس أشرف وأقوى؛ لما تحقّق وتقرّر أنّ بإزاء كلّ مادّة صورة يناسبُها، فأجودُ الكمالات لأتمّ الاستعدادات، وأخسّها لأنقصها.
وفي الحديث: «الناس معادنُ كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام» ۲ فكفى في هذا الباب قول الخالق الحقّ جلّ شأنه: «الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِين... والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ»۳ . وقد أوردنا شطرا من الكلام في هذا المقام في كتابنا المسمّى بـ «الـحصن الحصين» ۴ في شرح كتاب البلد الأمين.
(أَتُرَاكَ مُعَذِّبِي بِنَارِكَ) الهمزة للإنكار، والتاء ضميرٌ مرفوع نائب عن المفعول، والكاف حرفُ خطابٍ لا محلّ لها، و«معذّبي» منصوبٌ مفعولاً ثانيا، ويحتمل أن يكون الكاف تأكيدا للتاء نائبا عن ضمير الرفع، ويحتمل بعيدا أن يكون الفعل

1.آل عمران (۳) : ۶ .

2.كنز العمّال ۱۰ : ۱۴۹/۲۸۷۶۱ و ۱۶۹/۲۸۸۷۹.

3.نور (۲۴) : ۲۶.

4.«الحصن الحصين» في شرح البلد الأمين في التوحيد، لجدّ المحقق الاصطهباناتي الأمّي، السيد جعفر الدارابي الكشفي المتوفى (۱۲۶۷ق)والبلد الأمين كتاب منظوم في العقائد. لم يطبعا إلى الآن. الذريعة ۷ : ۲۴ و ۳ : ۱۴۴.

صفحه از 264