سالف رحمة اللّه وذكر ضعفه وعدم طاقته للعذاب وندائه ربّه باسمه العزيزـ مقام الأنس، وانتقل من واد الخوف إلى محلّ الرجاء، واشتعرّ بقلبه الشوق، ولَبَس جلباب القرب، فعكس النظم وقدّم الرجاء وأخّر الترك، إشعارا بأنّه نصبُ عينه وثابت قلبه، وأنّه الذي ينبغي أن يتعجّب منه إذا تفرّع عليه الترك. وهذا ممّا يشهد به الذوق ويصدّقه قولك: كيف يُسأل الكريم فلا يعطي.
إن قلت: ليس المتعجّب منه فيما سبق المقيّد بالحال في حدّ ذاته ولا قيده الحالي نفسه بل المقيّد بما هو مقيّد، فالتعجّب واقع على المقيّد والقيد مجتمعا ومفيدٌ لثبوتها معا، ولا مدخليّة للترتيب وعكسه كما ذكرت.
قلت: لو سلّم فالعناية والاهتمام بالرجاء المقتضي لتقديمه على ما بيّنت كافٍ وافٍ بالمقصود، فتأمّل واعرف أنّ الوجه رفع «تتركُه» ولا وجه لنصبه كما توهّم؛ إذ ليس المقام مقام تقدير الناصب، لا وجوبا ولا جوازا. اللهمّ إلاّ أن يقدّر ويجعل العطف لمصدر مسبوك منه على مصدر متوهّم مسبوك من الفعل السابق، بأن يكون المعنى: كيف يكون منّي الرجاء ومنك الترك عقيبه «هيهات» أي بعد ما ذكر من الوقوع.
(مَا ذلِكَ الظَّنُّ) إلى قوله (مَقَاما) ذكر فيها من باب التجريد بدخول في المنتزع منه كما في قوله تعالى: «لهم فيها دار الخلد»۱ أي في جهنّم وهي دار الخلد، وفائدته التهويل والمبالغة في اتّصافها بالشدّة،والتجريدكما يكون بالباء يكون«بمن»و «في».
قوله عليه السلام : (لكِنَّكَ) إلى قوله عليه السلام : (لاَيَسْتَوُنَ) «أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلاً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيل لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ»۲ .