17
الضّيافة في الکتاب و السّنّة

الضيافات قد لا يكون في نفسه مذموماً ، إلّا أنّه بلحاظ بعض الظروف الطارئة يصير مذموماً ، فمثلاً : ورد في بعض الروايات أنّه لو دعي شخص في آنٍ واحد من قبل اثنين من جيرانه ، فإنّ الجار الأقرب أولى بتلبية الدعوة ، وأمّا إذا لم تكن الدعوة في آنٍ واحد فعندئذٍ يكون الأولى منهما أقدمهما دعوة .
كما جاء في بعض الروايات أنّه لو دعي الشخص في زمان واحد إلى ضيافة وتشييع جنازة ، فالأولى منهما هو التشييع ؛ فإنّ التشييع يذكّر بعالم الآخرة . ومن الواضح فإنّ الحضور في مثل هذه الضيافة الفاقدة للأولوية لا يعدّ ممدوحاً .
فمع الأخذ بنظر الاعتبار الموارد المشار إليها يمكننا استخلاص النتيجة التالية ، وهي : أنّه من وجهة النظر الإسلامية - وبصورة عامّة - يعدّ الاشتراك في الضيافة التي تؤدّي لتلوّث الشخص عقيديّاً أو أخلاقيّاً أو عمليّاً ، أو كان حضورها منافياً لأمر أهمّ منها ، فهو غير مرغوب فيه ، بل قد ورد ذمّه ؛ ولذا لا ينبغي للمؤمن تلبية مثل هذه الدعوة .
كما ينبغي الالتفات إلى أنّ الاشتراك في ضيافة ملوّثة بالمعاصي يعدّ في حدّ ذاته معصية ، وأمّا حضور الضيافة مع تنافيها مع أمر أهمّ فهو على الرغم من ذمّه ، إلّا أنّه ليس معصية .
وأخيراً فعلى أساس التعاليم التي ستأتي تباعاً لا ينبغي الإسراع للحضور في الأعراس وأمثالها ممّا تكون أرضية الغفلة فيها خصبة ، بل الحري بالإنسان أن يلبّي هذه الدعوة بتباطؤ وتوانٍ ؛ كي يسلم الإنسان من عوارض الغفلة من جانب ، ويسلم من الآفات المحتملة لهذه المجالس . وأمّا المجالس التي تزيد في علم الإنسان ومعرفته وجوانبه المعنوية ، وتذكّر الإنسان باللَّه سبحانه وتعالى وتذكّره بالآخرة ، فهذه المجالس ينبغي الإسراع إلى إجابتها ، للاستزادة من آثارها وبركاتها بشكل أكثر .


الضّيافة في الکتاب و السّنّة
16

بعد انتهاء الوليمة .
وبصورة عامّة يمكن القول : إنّ على الضيف أن يدرك ويحدّد ظروف المضيّف الخاصّة ، ويتحاشى كلّ ما من شأنه أن يوقعه في الأذى ، فكم من ظرف يقتضي أن يغادر الضيف بيت المضيّف بعد تناول الطعام ، كما يوصي القرآن الكريم المسلمين بأن يغادروا بيت النبيّ صلى اللَّه عليه و آله بعد تناولهم الطعام ، وأن لا يستأنسوا بعده بتناول أطراف الحديث .۱ كما قد يكون الأمر على العكس من ذلك ، فيقتضي الظرف أن يتأخّر الضيف . لكن ينبغي الالتفات إلى أنّ طول البقاء يورث الملل ويعرّض عزّة الضيف للخطر .

3 . التحاشي عن حضور الضيافة المذمومة

الأصل الثالث الذي يلزم الضيف رعايته هو التحاشي عن قبول الضيافة المذمومة والمغايرة للأخلاق والقيم ، نظير : ضيافة المنحرفين عقائديّاً أو أخلاقيّاً ؛ لأنّ عشرتهم تعرّض الشخص للابتلاء بانحرافاتهم . وكذلك ضيافة أهل اللهو واللعب وأصحاب الطرب والموسيقى ، أو الضيافة التي تقام للتنافس والتفاخر والرياء والسمعة ؛ وذلك أنّ هذه الأخلاق الذميمة توجب العداوة ، وهي خطر يهدّد الراحة والطمأنينة في الحياة .
ومن هذا النمط أيضاً الولائم التي تعدّ للأثرياء خاصّة ؛ فإنّ حضورها يعدّ نموذجاً بارزاً للتمييز الطبقي ، وهو في النقطة المقابلة للتعاليم الإسلامية ، والتي ترى المعيار في تقييم الأفراد في التقوى والقيم الأخلاقية والعملية ، لا الثروة الماديّة والمنزلة الاجتماعية أو السياسية .
ولتتميم البحث لا بأس بالإشارة إلى نقطة اُخرى ، وهي أنّ حضور بعض

1.اُنظر : الأحزاب : ۵۳ .

  • نام منبع :
    الضّيافة في الکتاب و السّنّة
تعداد بازدید : 27440
صفحه از 108
پرینت  ارسال به