207
العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة

شرطان أساسيّان لتأثير هذا الدّواء ، أوّلهما : التّدبّر فإنّه روي عن الإمام عليّ عليه السلام «لاخَيرَ في قِراءَةٍ لَيسَ فيها تَدَبُّرٌ»۱ . وثانيهما : الاجتناب عن حُجُب المعرفة ولو مؤقّتاً ، فإذا قرأ أحدٌ القرآنَ بتدبّر ولم يجتنب عن الظّلم ، والتّعصّب ، والاستبداد والكبر ، والعُجب ، وشرب الخمر ، فتلاوته غير شافية قال اللَّه سبحانه : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الظَّلِمِينَ) .۲(إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِى الْقَوْمَ الْفَسِقِينَ) .۳
إنّ القرآن هدىً ، ولكنّه هدىً لمن أزال عن طريقه حُجُب الهدى‏ الّتي هي حُجُب العلم والحكمة نفسها : (ذَ لِكَ الْكِتَبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ) .۴ وإذا فقد التّالي شروط التّلاوة ، فالقرآن لا يشفيه ولا يزيل الحُجُب عن قلبه بل يضيف حجاباً إلى تلك الحُجب ، قال تعالى‏ : (وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْءَانِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَ رَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَ لَا يَزِيدُ الظَّلِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) .۵ومثل هذا القارئ لا تشمله رحمة الحقّ ، بل تلاحقه لعنة القرآن . قال النبيّ صلى اللَّه عليه وآله : «رُبَّ تالٍ لِلقُرآنِ وَالقُرآنُ يَلعَنُهُ»۶ .
وهكذا سائر أدوية العلم والحكمة فلها شروطها الخاصّة بها ، ونرجئ الحديث عنها إلى وقت آخر .

4 . أُصول أدوية المعرفة

إنّ ما ذُكر في هذا الفصل بوصفه دواءً للمعرفة يعود إلى‏ عاملين : أحدهما القرآن، ويمكن أن نطلق عليه اصطلاح «الدّواء التّشريعيّ» ، والآخر البلاء ، وهو

1.بحارالأنوار : ج ۹۲ ص ۲۱۱ ح ۴ .

2.الأنعام : ۱۴۴، القصص: ۵۰ ، الأحقاف : ۱۰ .

3.المنافقون : ۶ .

4.البقرة : ۲ .

5.الاسراء: ۸۲ .

6.جامع الأخبار : ص ۱۳۰ ح ۲۵۵ ، بحارالأنوار : ج ۹۲ ص ۱۸۴ ح ۱۹ .


العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
206

كالقرآن ، والتّقوى‏ ، والذّكر ، الّتي تقوم بدور مؤثّر في الإلهامات الإلهيّة والمعارف الحقيقيّة ، وما حدانا على‏ ذكر هذه الأُمور بوصفها دواءً هو دورها في علاج أدواء الرّوح وتمزيق حُجُب المعرفة ، والنّصّ على‏ هذا الدّور في كثير من الآيات والرّوايات .۱

2 . نطاق تأثير أدوية المعرفة

إنّ النّقطة الأُخرى‏ الجديرة بالتّأمّل فيما يرتبط بأدوية المعرفة هي : أيّ مجموعة من حُجُب المعرفة يمكن ازالتها بواسطة هذه الأدوية هل هي كلّها هل يمكن معالجة الموانع الحسّيّة وحُجُب العلوم الرّسميّة بهذه الأدوية وأخيراً ما المدى‏ الّذي يبلغه تأثير أدوية المعرفة .
وجوابنا أنّ التّأمّل في الآيات والأحاديث الواردة في هذا المجال تدلّ على‏ أنّ هذه الأدوية تتعلّق بالمجموعة الثّالثة من حُجُب العلم والحكمة ، أي : حُجُب العلم الحقيقيّ . وإن كنّا لا ننكر تأثيرها الإجماليّ في إزالة بعض حُجُب العلوم الرّسميّة .

3 . كيفيّة استعمال أدوية المعرفة

النّقطة الثّالثة هي : كيف نستعمل أدوية المعرفة وفي أيّ ظروف تؤثّر هذه الأدوية في تمزيق الحُجُب
لا يسعنا الجواب عن هذا السّؤال الآن مفصّلاً ، بَيْد أنّا نقول بإجمال : إنّ لاستعمال كلّ واحدٍ من هذه الأدوية شروطه ، فإذا تهيّأت أمكننا أن نتوقّع التّأثير ، فعلى‏ سبيل المثال ، تلاوة القرآن تزيل صدأ حُجُب المعرفة من مرآة الرّوح ، وتصقل القلب ، وتُعدّه للإفادة من الإفاضات الغيبيّة والإلهامات الإلهيّة ، ولكنْ ثمّة

1.راجع : ص ۱۹۵ «القرآن» و ۱۹۷ «التقوى» و ۱۹۸ «الذكر» .

  • نام منبع :
    العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
عدد المشاهدين : 83098
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي