239
العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة

3 . المبالغة في بيان فضيلة العلم‏

إنّ بعض الأحاديث المذكورة في هذا الفصل الّتي عرضت موضوعات حول بيان فضيلة العلم ورجحانه على‏ العبادة تبدو عليها المبالغة ، ويعسر قبولها بلا توضيحٍ وافٍ ، كأنْ يُذكر أنّ في جلوس المتعلّم أمام العالم ثواب ستّين شهيداً ، أو أنّ الحضور في مجلس العالم أفضل من ألف غزوة مندوبة ...
مع أنّ سند هذه الأحاديث ليس له الاعتبار الكافي لإثبات هذه الفضائل ، لكن ردّ هذه الأحاديث لا يتيسّر ، من خلال ملاحظة الاستدلال الوارد في الحديث النبويّ صلى اللَّه عليه وآله :
خَيرُ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ العِلمِ ، وشَرُّ الدُّنيا وَالآخِرَةِ مَعَ الجَهلِ۱ .
والواقع أنّ هذه الأحاديث عمدت إلى‏ ضروب التأكيد لتشجيع الناس على‏ العلم ، ومادام المرء محتاجاً إلى‏ التعلّم والحضور في مجلس العالم من أجل رفع مستوى‏ معرفته ، فليس له أن يترك مجلس العلم بأيّ ذريعةٍ كانت ، حتّى‏ لو كانت ذريعة الحجّ والجهاد المستحبّين !

1.راجع : ص ۲۸ ح ۲۸ .


العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
238

والاحتمال الآخر في تبيين الأحاديث الواردة في ترجيح العلم على‏ العبادة هو النظر إلى‏ العلم والعبادة بذاتهما وبدون الأخذ بعين الاعتبار الأحكام الفقهيّة الخمسة ، أي : العلم ذاتاً مقدَّم على‏ العبادة ، ويمكن أن تكون لهذا التقدّم أسباب متنوّعة ، منها أنّ العبادة متعذّرة بغير العلم .

2 . الدور البنّاء للعبادة إلى‏ جانب العلم‏

مضت الإشارة في الفصول المتقدّمة إلى‏ الدور الأساسيّ البنّاء للعبادات في ظهور نور العلم والإلهامات القلبيّة ،۱ وتمّ تأكيد أنّ جوهر العلم لا يستديم في وجود الإنسان بلا عمل.۲ من هنا ، فإنّ الأحاديث الّتي ترجّح العلم على‏ العبادة لا تهدف إلى‏ إضعاف الدور البنّاء للعبادة إلى‏ جانب العلم أو إنكاره ، بل تؤكّد ضرورة تقارنهما وتُحذّر من العبادات الجاهلة . وسيأتي في القسم السابع أنّ العبادة بلا علم لا قيمة لها ، بل هي مدعاة للخطر .۳
من هذا المنطلق لا يمكن أن تُتّخذ أحاديث هذا الفصل ذريعة لترك العبادات ، حتّى‏ المستحبّة منها ، نُقل أنّ شخصاً سأل المحقّق الكبير الشيخ الأنصاريّ رضوان اللَّه تعالى‏ عليه عن التعارض بين صلاة الليل والمطالعات العلميّة : أيّهما مقدّمة على‏ الأُخرى‏ وكان الشيخ يعلم أنّ السائل من هواة النارجيلة ، وأنّ سؤاله ذريعة لترك نافلة الليل ، فأجابه قائلاً : لِمَ تُوجِد تعارضاً بين صلاة الليل والمطالعة ! قل : أيّهما تتقدّم على‏ الاُخرى‏ : المطالعة أو النّارجيلة .

1.راجع : ص ۱۴۶ «العمل» و ۱۴۷ «الصلاة» و ۱۴۸ «الصوم» .

2.راجع : ص ۶۱ ح ۲۵۰ .

3.راجع : ص ۴۹۳ «خطر العالم الفاجر والجاهل الناسك» .

  • نام منبع :
    العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
عدد المشاهدين : 115504
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي