77
العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة

وقد جاء عين هذا الأثر في كلام الرسول المصطفى صلى اللَّه عليه وآله مترتباً على الحكمة الحقيقية، قال صلى اللَّه عليه وآله :
خَشيَةُ اللَّهِ عزّ وجلّ رَأسُ كُلِّ حِكمَةٍ۱ .
إنّ الحكمة الحقيقية نزعة عقلانية وهي ضد النزعات النفسانية،۲ وهي تقوى في النفس بنفس المقدار الذي تضعف فيه الميول النفسية۳ حتّى‏ تتلاشى تلك الميول نهائياً،۴ وفي هذا الحال يستيقظ العقل ويحيا بشكل كامل، فيمسك بزمام المرء، ومن ثمّ لاتبقى‏ في وجوده أرضية لارتكاب الذنوب والأعمال غير اللائقة،۵ وبالنتيجة تقترن الحكمة بالعصمة،۶ وأخيراً تحصل للإنسان كل خصوصيات الحكيم والعالم الحقيقي فيصل إلى أعلى مراتب العلم والحكمة وأرفع درجات معرفة النفس ومعرفة الخالق سبحانه‏۷.
وفي هذه المرتبة السامية ينفصل قلب الإنسان عن كلّ ما هو فانٍ ويتعلق بعالم البقاء، وفي هذا يقول سيّد الحكماء وأمير العرفاء عليه السلام في تفسير الحكمة:
أوَّلُ الحِكمَةِ تَركُ اللَّذّاتِ ، وآخِرُها مَقتُ الفانِياتِ۸ .
ويقول عليه السلام أيضاً :

1.راجع : ص ۹ «المدخل» .

2.راجع : ص ۹۱ ح ۳۴۲ .

3.راجع : ص ۶۹ ح ۲۷۲ .

4.راجع : ص ۸۵ «ضعف الشهوة» .

5.راجع : ص ۸۶ ح ۳۲۳ .

6.راجع : ص ۸۶ «العصمة» .

7.راجع : ص ۸۹ «معرفة النفس» .

8.راجع : ص ۷۰ ح ۲۷۷ .


العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
76

لَفِى ضَلَلٍ مُّبِينٍ) .1

2 . الحكمة العملية

إنّ الحكمة العملية هي المنهج العملي للوصول إلى مرتبة الكمال الإنساني.
ومن وجهة نظر القرآن الكريم، والحديث الشريف تطلق كلمة الحكمة على العلم والعمل باعتبارهما مقدمتين لتكامل الإنسان، وليس ثمة فرق بينهما، إلّا أنّ العلم هو الدرجة الاُولى في سُلّم الكمال الإنساني، والعمل هو الدرجة الثانية فيه، وقد اعتبرت الأحاديث التي تحثّ على طاعة اللَّه سبحانه و مداراة الناس واجتناب المعاصي والذنوب والمكر والخداع وغيرها، إشارة إلى هذا النوع من الحكمة.۲

3 . الحكمة الحقيقية

وهي تحكي عن الحالة النورانية والبصيرة التي تحصل للإنسان نتيجة تطبيق مقررات الحكمة العملية في الحياة، وفي الحقيقة إنّ الحكمة العلمية هي مقدمة للحكمة العملية، والحكمة العملية هي بداية الحكمة الحقيقية، وطالما لم يصل الإنسان إلى هذه الدرجة من الحكمة، لا يصبح حكيماً حقيقياً ولو كان من أكبر اساتذة الحكمة. وفي الواقع أنّ الحكمة الحقيقية هي جوهر العلم‏۳ ونور العلم وعلم النور، من هنا تترتب عليها خواص العلم الحقيقي وآثاره، وعلى رأسها خشية اللَّه سبحانه، على ما جاء في القرآن الكريم حيث يقول تعالى:
(إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَؤُاْ).۴

1.آل عمران : ۱۶۴ وراجع: البقرة : ۱۲۹ و ۱۵۱ والجمعة : ۲ .

2.راجع : ص ۹۱ «الفصل الرابع : رأس الحكمة» .

3.راجع : ص ۹ «المدخل» .

4.فاطر : ۲۸ .

  • نام منبع :
    العلم و الحکمة في الکتاب و السّنة
عدد المشاهدين : 115390
الصفحه من 563
طباعه  ارسل الي