آخرت - صفحه 90

ب ـ كَثرَةُ المالِ

۱۷۴.رسول اللّه صلى الله عليه و آله :اِحذَرُوا المالَ ، فَإِنَّهُ كانَ فيما مَضى رَجُلٌ قَد جَمَعَ مالاً ووَلَدا وأقبَلَ عَلى نَفسِهِ وعِيالِهِ وجَمَعَ لَهُم فَأَوعى ، فَأَتاهُ مَلَكُ المَوتِ فَقَرَعَ بابَهُ وهُوَ في زِيِّ مِسكينٍ ، فَخَرَجَ إلَيهِ الحُجّابُ فَقالَ لَهُم : اُدعوا إلَيَّ سَيِّدَكُم .
قالوا : أوَ يَخرُجُ سَيِّدُنا إلى مِثلِكَ! ودَفَعوهُ حَتّى نَحَّوهُ عَنِ البابِ .
ثُمَّ عادَ إلَيهِم في مِثلِ تِلكَ الهَيئَةِ ۱ ، وقالَ : اُدعوا إلَيَّ سَيِّدَكُم وأخبِروهُ أنّي مَلَكُ المَوتِ ، فَلَمّا سَمِعَ سَيِّدُهُم هذَا الكَلامَ قَعَدَ خائِفا فَرِقا ۲ ، وقالَ لِأَصحابِهِ : لينوا لَهُ فِي المَقالِ ، وقولوا لَهُ : لَعَلَّكَ تَطلُبُ غَيرَ سَيِّدِنا ، بارَكَ اللّهُ فيكَ !
قالَ لَهُم : لا ، ودَخَلَ عَلَيهِ وقالَ لَهُ : قُم فَأَوصِ ما كُنتَ موصِيا ؛ فَإِنّي قابِضٌ روحَكَ قَبلَ أن أخرُجَ . فَصاحَ أهلُهُ وبَكَوا .
فَقالَ : اِفتَحُوا الصَّناديقَ وَاكتُبوا (أكِبّوا) ما فيهِ مِنَ الذَّهَبِ وَالفِضَّةِ ، ثُمَّ أقبَلَ عَلَى المالِ يَسُبُّهُ ويَقولُ لَهُ : لَعَنَكَ اللّهُ يا مالُ ! أنسَيتَني ذِكرَ رَبّي وأغفَلتَني ۳ عَن أمرِ آخِرَتي حَتّى بَغَتَني من أمرِ اللّهِ ما قَد بَغَتَني؟! ۴

۱۷۵.الإمام الباقر عليه السلام :كانَ عَلى عَهدِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مُؤمِنٌ فَقيرٌ شَديدُ الحاجَةِ مِن أهلِ الصُّفَّةِ ۵ ، وكانَ مُلازِما لِرَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله عِندَ مَواقيتِ الصَّلاةِ كُلِّها لا يَفقِدُهُ في شَيءٍ مِنها ، وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَرِقُّ لَهُ ويَنظُرُ إلى حاجَتِهِ وغُربَتِهِ ، فَيَقولُ : يا سَعدُ ، لَو قَد جاءَني شَيءٌ لَأَغنَيتُكَ .
قالَ : فَأَبطَأَ ذلِكَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله ، فَاشتَدَّ غَمُّ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله لِسَعدٍ ، فَعَلِمَ اللّهُ سُبحانَهُ ما دَخَلَ عَلى رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن غَمِّهِ لِسَعدٍ . فَأَهبَطَ عَلَيهِ جَبرَئيلَ عليه السلام و مَعَهُ دِرهَمانِ ، فَقالَ لَهُ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ قَد عَلِمَ ما قَد دَخَلَكَ مِنَ الغَمِّ لِسَعدٍ ، أفَتُحِبُّ أن تُغنِيَهُ؟
فَقالَ : نَعَم .
فَقالَ لَهُ : فَهاكَ هذَينِ الدِّرهَمَينِ فَأَعطِهِما إيّاهُ ومُرهُ أن يَتَّجِرَ بِهِما .
قالَ : فَأَخَذَ ۶ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله ثُمَّ خَرَجَ إلى صَلاةِ الظُّهرِ ، وسَعدٌ قائِمٌ عَلى بابِ حُجُراتِ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه و آله يَنتَظِرُهُ ، فَلَمّا رَآهُ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله قالَ : يا سَعدُ ، أتُحسِنُ التِّجارَةَ؟
فَقالَ لَهُ سَعدٌ : وَاللّهِ ما أصبَحتُ أملِكُ مالاً أتَّجِرُ بِهِ! فَأَعطاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله الدِّرهَمَينِ ، وقالَ لَهُ : اِتَّجِر بِهِما وتَصَرَّف لِرِزقِ اللّهِ . فَأَخَذَهُما سَعدٌ ومَضى مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه و آله حَتّى صَلّى مَعَهُ الظُّهرَ وَالعَصرَ ، فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : قُم فَاطلُبِ الرِّزقَ ، فَقَد كُنتُ بِحالِكَ مُغتَمّا يا سَعدُ .
قالَ : فَأَقبَلَ سَعدٌ لا يَشتَري بِدِرهَمٍ شَيئا إلّا باعَهُ بِدِرهَمَينِ ولا يَشتَري شَيئا بِدِرهَمَينِ إلّا باعَهُ بِأَربَعَةِ دَراهِمَ ، فَأَقبَلَتِ الدُّنيا عَلى سَعدٍ فَكَثُرَ مَتاعُهُ ومالُهُ
وعَظُمَت تِجارَتُهُ ، فَاتَّخَذَ عَلى بابِ المَسجِدِ مَوضِعا وجَلَسَ فيهِ فَجَمَعَ تِجارَتَهُ إلَيهِ ، وكانَ رَسولُ اللّهِ صلى الله عليه و آله إذا أقامَ بِلالٌ لِلصَّلاةِ يَخرُجُ وسَعدٌمَشغولٌ بِالدُّنيا ، لَم يَتَطَهَّر ولَم يَتَهَيَّأ كَما كانَ يَفعَلُ قَبلَ أن يَتَشاغَلَ بِالدُّنيا ، فَكانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله يَقولُ : يا سَعدُ ، شَغَلَتكَ الدُّنيا عَنِ الصَّلاةِ! فَكانَ يَقولُ : ما أصنَعُ ، اُضَيِّعُ مالي؟! هذا رَجُلٌ قَد بِعتُهُ فَاُريدُ أن أستَوفِيَ مِنهُ ، وهذا رَجُلٌ قَدِ اشتَرَيتُ مِنهُ فاُريدُ أن اُوَفِّيَهُ .
قالَ : فَدَخَلَ رَسولَ اللّهِ صلى الله عليه و آله مِن أمرِ سَعدٍ غَمٌّ أشَدُّ مِن غَمِّهِ بِفَقرِهِ ، فَهَبَطَ عَلَيهِ جَبرَئيلُ عليه السلام ، فَقالَ : يا مُحَمَّدُ ، إنَّ اللّهَ قَد عَلِمَ غَمَّكَ بِسَعدٍ ، فَأَيُّما أحَبُّ إلَيكَ حالُهُ الاُولى أو حالُهُ هذِهِ؟
فَقالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله : يا جَبرَئيلُ ، بَل حالُهُ الاُولى ، قَد ذَهَبَت ۷ دُنياهُ بِآخِرَتِهِ .
فَقالَ لَهُ جَبرَئيلُ عليه السلام : إنَّ حُبَّ الدُّنيا وَالأَموالِ فِتنَةٌ ومَشغَلَةٌ عَنِ الآخِرَةِ ، قُل لِسَعدٍ يَرُدُّ عَلَيكَ الدِّرهَمَينِ اللَّذَينِ دَفَعتَهُما إلَيهِ ، فَإِنَّ أمرَهُ سَيَصيرُ إلَى الحالَةِ الَّتي كانَ عَلَيها أوَّلاً .
قالَ : فَخَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه و آله فَمَرَّ بِسَعدٍ ، فَقالَ لَهُ : يا سَعدُ ، أما تُريدُ أن تَرُدَّ عَلَيَّ الدِّرهَمَينِ اللَّذَينِ أعطَيتُكَهُما؟
فَقالَ سَعدٌ : بَلى ومِئَتَينِ .
فَقالَ لَهُ : لَستُ اُريدُ مِنكَ يا سَعدُ إلَا الدِّرهَمَينِ ، فَأَعطاهُ سَعدٌ دِرهَمَينِ . قالَ : فَأَدبَرَتِ الدُّنيا عَلى سَعدٍ حَتّى ذَهَبَ ما كانَ جَمَعَ ، وعادَ إلى حالِهِ الَّتي كانَ عَلَيها . ۸

1.في المصدر : «الهيبة» ، والتصويب من بحار الأنوار .

2.الفَرَق : الخوف والفزع (النهاية : ج ۳ ص ۴۳۸ «فرق») .

3.في المصدر : «أغفلتي» ، والتصويب من بحار الأنوار .

4.عدّة الداعي : ص ۹۵ ، بحار الأنوار : ج ۱۰۳ ص ۲۴ ح ۲۷ .

5.أهلُ الصُّفَّة : هم فقراء المهاجرين ، ومن لم يكُن له منهم منزل يسكنه ، فكانوا يأوُون إلى مَوضعٍ مُظَلَّل في مسجد المدينة يسكنونه (النهاية : ج ۳ ص ۳۷ «صفف») .

6.في بحار الأنوار : «فأخذهما» ، وهو الأنسب .

7.في المصدر «أذهَبَت» ، والتصويب من بحارالأنوار .

8.الكافي : ج ۵ ص ۳۱۲ ح ۳۸ عن أبي بصير ، مشكاة الأنوار : ص ۴۷۳ ح ۱۵۸۳ نحوه ، بحار الأنوار : ج ۲۲ ص ۱۲۲ ح ۹۲ .

صفحه از 168