اجاره - صفحه 21

الفصل الرابع : ميزان حلّيّة الإجارة وحرمتها

۱۱.تحف العقولـ في ذِكرِ ما وَرَدَ عَنِ الإِمامِ الصّادِقِ عليه السلام ـ :سَأَلَهُ سائِلٌ ، فَقالَ : كَم جِهاتُ مَعايِشِ العِبادِ الَّتي فيهَا الاِكتِسابُ أوِ التَّعامُلُ بَينَهُم ، ووُجوهُ النَّفَقاتِ ؟ فَقالَ عليه السلام :
جَميعُ المَعايِشِ كُلِّها مِن وُجوهِ المُعامَلاتِ فيما بَينَهُم ممّا يَكونُ لَهُم فيهِ المَكاسِبُ أربَعُ جِهاتٍ مِنَ المُعامَلاتِ .
فَقالَ لَهُ : أ كُلُّ هؤُلاءِ الأَربَعَةِ الأَجناسِ حَلالٌ ، أو كُلُّها حَرامٌ ، أو بَعضُها حَلالٌ وبَعضُها حَرامٌ ؟
فَقالَ عليه السلام : قَد يَكونُ في هؤلاءِ الأَجناسِ الأَربَعَةِ حَلالٌ مِن جِهَةٍ حَرامٌ مِن جِهَةٍ ، وهذِهِ الأَجناسُ مُسَمَّياتٌ مَعروفاتُ الجِهاتِ .
فَأَوَّلُ هذِهِ الجِهاتِ الأَربَعَةِ الوِلايَةُ وتَولِيَةُ بَعضِهِم عَلى بَعضٍ ؛ فَالأَوَّلُ وِلايَةُ الوُلاةِ ، ووُلاةِ الوُلاةِ إلى أدناهُم بابا مِن أبوابِ الوِلايَةِ عَلى مَن هُوَ والٍ عَلَيهِ ، ثُمَّ التِّجارَةُ في جَميعِ البَيعِ والشِّراءِ بَعضُهُم مِن بَعضٍ ، ثُمَّ الصَّناعاتُ في جَميعِ صُنوفِها، ثُمَّ الإِجاراتُ في كُلِّ ما يُحتاجُ إلَيهِ مِنَ الإِجاراتِ... وأمّا تَفسيرُ الإجاراتِ : فَإِجارَةُ الإِنسانِ نَفسَهُ أو ما يَملِكُ أو يَلي أمرَهُ مِن قَرابَتِهِ أو دابَّتِهِ أو ثَوبِهِ بِوَجهِ الحَلالِ مِن جِهاتِ الإِجاراتِ ، أن يُؤجِرَ نَفسَهُ أو دارَهُ أو أرضَهُ أو شَيئا يَملِكُهُ فيما يُنتَفَعُ بِهِ مِن وُجوهِ المَنافِعِ ، أوِ العَمَلِ بِنَفسِهِ ووَلَدِهِ ومَملوكِهِ أو أجيرِهِ مِن غَيرِ أن يَكونَ وَكيلاً لِلوالي أو والِيا لِلوالي ، فَلا بَأسَ أن يَكونَ أجيرا يُؤجِرَ نَفسَهُ أو وَلَدَهُ أو قَرابَتَهُ أو مِلكَهُ أو وَكيلَهُ في إجارَتِهِ ؛ لِأَ نَّهُم وُكَلاءُ الأَجيرِ مِن عِندِهِ لَيسَ هُم بِوُلاةِ الوالي ، نَظيرُ الحَمّالِ الَّذي يَحمِلُ شَيئا بِشَيءٍ مَعلومٍ إلى مَوضِعٍ مَعلومٍ ، فَيَحمِلُ ذلِكَ الشَّيءَ الَّذي يَجوزُ لَهُ حَملُهُ بِنَفسِهِ أو بِمِلكِهِ أو دابَّتِهِ ، أو يُؤاجِرُ نَفسَهُ في عَمَلٍ يَعمَلُ ذلِكَ العَمَلَ بِنَفسِهِ أو بِمَملوكِهِ أو قَرابَتِهِ أو بِأَجيرٍ مِن قِبَلِهِ . فَهذِهِ وُجوهٌ مِن وُجوهِ الإِجاراتِ حَلالٌ لِمَن كانَ مِنَ النّاسِ مَلِكا أو سوقَةً ۱ أو كافِرا أو مُؤمِنا ، فَحَلالٌ إجارَتُهُ وحَلالٌ كَسبُهُ مِن هذِهِ الوُجوهِ .
فَأَمّا وُجوهُ الحَرامِ مِن وُجوهِ الإِجارَةِ نَظيرُ أن يُؤاجِرَ نَفسَهُ عَلى حَملِ ما يَحرُمُ عَلَيهِ أكلُهُ أو شُربُهُ أو لُبسُهُ ، أو يُؤاجِرَ نَفسَهُ في صَنعَةِ ذلِكَ الشَّيءِ أو حِفظِهِ أو لُبسِهِ ، أو يُؤاجِرَ نَفسَهُ في هَدمِ المَساجِدِ ضِرارا أو قَتلِ النَّفسِ بِغَيرِ حِلٍّ ، أو حَملِ التَّصاويرِ وَالأَصنامِ وَالمَزاميرِ وَالبَرابِطِ ۲ وَالخَمرِ وَالخَنازيرِ وَالمَيتَةِ وَالدَّمِ ، أو شَيءٍ مِن وُجوهِ الفَسادِ الَّذي كانَ مُحَرَّما عَلَيهِ مِن غَيرِ جِهَةِ الإِجارَةِ فيهِ ، وكُلُّ أمرٍ مَنهِيٍّ عَنهُ مِن جِهَةٍ مِنَ الجِهاتِ فَمُحَرَّمٌ عَلَى الإِنسانِ إِجارَةُ نَفسِهِ فيهِ أو لَهُ أو شَيءٍ مِنهُ أو لَهُ إلّا لِمَنفَعَةِ مَنِ استَأجَرتَهُ ؛ كَالَّذي يَستَأجِرُ الأَجيرَ يَحمِلُ لَهُ المَيتَةَ يُنجيها ۳ عَن أذاهُ أو أذى غَيرِهِ وما أشبَهَ ذلِكَ .
وَالفَرقُ بَينَ مَعنَى الوِلايَةِ وَالإِجارَةِ ـ وإن كانَ كِلاهُما يَعمَلانِ بِأَجرٍ ـ أنَّ مَعنَى الوِلايَةِ أن يَلِيَ الإِنسانُ لِوالِي الوُلاةِ أو لِوُلاةِ الوُلاةِ فَيَليَ أمرَ غَيرِهِ فِي التَّولِيَةِ عَلَيهِ وتَسليطِهِ وجَوازِ أمرِهِ ونَهيِهِ وقِيامِهِ مَقامَ الوَلِيِّ إلَى الرَّئيسِ ، أو مَقامَ وُكَلائِهِ في أمرِهِ وتَوكيدِهِ في مَعونَتِهِ وتَسديدِ وِلايَتِهِ وإن كانَ أدناهُم وِلايَةً ، فَهُوَ والٍ عَلى مَن هُوَ والٍ عَلَيهِ يَجري مَجرَى الوُلاةِ الكِبارِ الَّذينَ يَلونَ وِلايَةَ النّاسِ في قَتلِهِم مَن قَتَلوا وإظهارِ الجَورِ وَالفَسادِ .
وأمّا مَعنَى الإِجارَةِ فَعَلى ما فَسَّرنا مِن إجارَةِ الإِنسانِ نَفسَهُ أو ما يَملِكُهُ مِن قَبلِ أن يُؤاجِرَ لِشَيءٍ مِن غَيرِهِ ، فَهُوَ يَملِكُ يَمينَهُ ؛ لِأَ نَّهُ [ لا] ۴ يَلي أمرَ نَفسِهِ وأمرَ ما يَملِكُ قَبلَ أن يُؤاجِرَهُ مِمَّن هُوَ آجَرَهُ . وَالوالي لا يَملِكُ مِن اُمورِ النّاسِ شَيئا إلّا بَعدَما يَلي اُمورَهُم ويَملِكُ تَولِيَتَهُم . وكُلُّ مَن آجَرَ نَفسَهُ أو آجَرَ ما يَملِكُ نَفسَهُ أو يَلي أمرَهُ مِن كافِرٍ أو مُؤمِنٍ أو مَلِكٍ أو سوقَةٍ عَلى ما فَسَّرنا مِمّا تَجوزُ الإِجارَةُ فيهِ فَحَلالٌ مُحَلَّلٌ فِعلُهُ وكَسبُهُ . ۵

1.السُّوقة ـ بالضمّ ـ : الرعيّة ومَن دون الملك (النهاية : ج ۲ ص ۴۲۴ «سوق» ) .

2.البَرْبَط : مَلهاة تُشبه العُود ، وهو فارسي معرّب (النهاية : ج ۱ ص ۱۱۲ «بربط» ).

3.نَجَوتُ عنه كذا : ألقَيته (المحيط في اللغة : ج ۷ ص ۱۸۹ «نجو» ).

4.الظاهر أنّ «لا» هنا زائدة .

5.تحف العقول : ص ۳۳۱ و۳۳۳ ، بحار الأنوار : ج ۱۰۳ ص ۴۶ ح ۱۱ .

صفحه از 41