حَمداً نُزاحِمُ بِهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ ، ونُضامُّ ۱ بِهِ أنبِياءَهُ المُرسَلينَ في دارِ المُقامَةِ الَّتي لا تَزولُ ، ومَحَلِّ كَرامَتِهِ الَّتي لا تَحولُ . ۲
وَالحَمدُ للَّهِِ الَّذِي اختارَ لَنا مَحاسِنَ الخَلقِ ، وأَجرى عَلَينا طَيِّباتِ الرِّزقِ ، وجَعَلَ لَنَا الفَضيلَةَ بِالمَلَكَةِ عَلى جَميعِ الخَلقِ ، فَكُلُّ خَليقَتِهِ مُنقادَةٌ لَنا بِقُدرَتِهِ ، وصائِرَةٌ إلى طاعَتِنا بِعِزَّتِهِ .
وَالحَمدُ للَّهِِ الَّذي أغلَقَ عَنّا بابَ الحاجَةِ إلّا إلَيهِ ، فَكَيفَ نُطيقُ حَمدَهُ؟ أم مَتى نُؤَدّي شُكرَهُ؟ لا ، مَتى؟
وَالحَمدُ للَّهِِ الَّذي رَكَّبَ فينا آلاتِ البَسطِ ، وجَعَلَ لَنا أدَواتِ القَبضِ ، ومَتَّعَنا بِأَرواحِ الحَياةِ ، وأَثبَتَ فينا جَوارِحَ الأَعمالِ ، وغَذّانا بِطَيِّباتِ الرِّزقِ ، وأَغنانا بِفَضلِهِ ، وأَقنانا ۳ بِمَنِّهِ ، ثُمَّ أمَرَنا لِيَختَبِرَ طاعَتَنا ، ونَهانا لِيَبتَلِيَ شُكرَنا ، فَخالَفنا عَن طَريقِ أمرِهِ ، ورَكِبنا مُتونَ زَجرِهِ ، فَلَم يَبتَدِرنا ۴ بِعُقوبَتِهِ ، ولَم يُعاجِلنا بِنِقمَتِهِ ، بَل تَأَنّانا ۵ بِرَحمَتِهِ تَكَرُّماً ، وَانتَظَرَ مُراجَعَتَنا بِرَأفَتِهِ حِلماً .
وَالحَمدُ للَّهِِ الَّذي دَلَّنا عَلَى التَّوبَةِ الَّتي لَم نُفِدها إلّا مِن فَضلِهِ ، فَلَو لَم نَعتَدِد مِن فَضلِهِ إلّا بِها ، لَقَد حَسُنَ بَلاؤُهُ عِندَنا ، وجَلَّ إحسانُهُ إلَينا ، وجَسُمَ فَضلُهُ عَلَينا ، فَما هكَذا كانَت سُنَّتُهُ فِي التَّوبَةِ لِمَن كانَ قَبلَنا ، لَقَد وَضَعَ عَنّا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ، ولَم يُكَلِّفنا إلّا وُسعاً ، ولَم يُجَشِّمنا ۶ إلّا يُسراً ، ولَم يَدَع لِأَحَدٍ مِنّا حُجَّةً ولا عُذراً ، فَالهالِكُ مِنّا مَن هَلَكَ عَلَيهِ ،
1.تَضامَّ القومُ : إذا انضمّ بعضهم إلى بعض (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۷۲ «ضمم») .
2.حالَ إلى مكان آخر : أي تحوّل (تاج العروس : ج ۱۴ ص ۱۸۶ «حول») .
3.أقناه اللَّه : أعطاه (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۵۱۸ «قنا») .
4.ابتدرهُ : عاجَلَهُ (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۳۶۹ «بدر») .
5.تأنّى في الأمر : أي ترفّق وتنظّر (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۷۳ «أنا») .
6.لم يجشّمنا إلّا يُسراً : أي لم يكلّفنا إلّا يسراً ، من التجشّم ؛ وهو التكلّف على مشقّة (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۲۹۵ «جشم») .