>

115
کنز الدعاء المجلد الاول

حَمداً نُزاحِمُ بِهِ مَلائِكَتَهُ المُقَرَّبينَ ، ونُضامُّ ۱ بِهِ أنبِياءَهُ المُرسَلينَ في دارِ المُقامَةِ الَّتي لا تَزولُ ، ومَحَلِّ كَرامَتِهِ الَّتي لا تَحولُ . ۲
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذِي اختارَ لَنا مَحاسِنَ الخَلقِ ، وأَجرى‏ عَلَينا طَيِّباتِ الرِّزقِ ، وجَعَلَ لَنَا الفَضيلَةَ بِالمَلَكَةِ عَلى‏ جَميعِ الخَلقِ ، فَكُلُّ خَليقَتِهِ مُنقادَةٌ لَنا بِقُدرَتِهِ ، وصائِرَةٌ إلى‏ طاعَتِنا بِعِزَّتِهِ .
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي أغلَقَ عَنّا بابَ الحاجَةِ إلّا إلَيهِ ، فَكَيفَ نُطيقُ حَمدَهُ؟ أم مَتى‏ نُؤَدّي شُكرَهُ؟ لا ، مَتى‏؟
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي رَكَّبَ فينا آلاتِ البَسطِ ، وجَعَلَ لَنا أدَواتِ القَبضِ ، ومَتَّعَنا بِأَرواحِ الحَياةِ ، وأَثبَتَ فينا جَوارِحَ الأَعمالِ ، وغَذّانا بِطَيِّباتِ الرِّزقِ ، وأَغنانا بِفَضلِهِ ، وأَقنانا ۳ بِمَنِّهِ ، ثُمَّ أمَرَنا لِيَختَبِرَ طاعَتَنا ، ونَهانا لِيَبتَلِيَ شُكرَنا ، فَخالَفنا عَن طَريقِ أمرِهِ ، ورَكِبنا مُتونَ زَجرِهِ ، فَلَم يَبتَدِرنا ۴ بِعُقوبَتِهِ ، ولَم يُعاجِلنا بِنِقمَتِهِ ، بَل تَأَنّانا ۵ بِرَحمَتِهِ تَكَرُّماً ، وَانتَظَرَ مُراجَعَتَنا بِرَأفَتِهِ حِلماً .
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي دَلَّنا عَلَى التَّوبَةِ الَّتي لَم نُفِدها إلّا مِن فَضلِهِ ، فَلَو لَم نَعتَدِد مِن فَضلِهِ إلّا بِها ، لَقَد حَسُنَ بَلاؤُهُ عِندَنا ، وجَلَّ إحسانُهُ إلَينا ، وجَسُمَ فَضلُهُ عَلَينا ، فَما هكَذا كانَت سُنَّتُهُ فِي التَّوبَةِ لِمَن كانَ قَبلَنا ، لَقَد وَضَعَ عَنّا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ ، ولَم يُكَلِّفنا إلّا وُسعاً ، ولَم يُجَشِّمنا ۶ إلّا يُسراً ، ولَم يَدَع لِأَحَدٍ مِنّا حُجَّةً ولا عُذراً ، فَالهالِكُ مِنّا مَن هَلَكَ عَلَيهِ ،

1.تَضامَّ القومُ : إذا انضمّ بعضهم إلى بعض (الصحاح : ج ۵ ص ۱۹۷۲ «ضمم») .

2.حالَ إلى مكان آخر : أي تحوّل (تاج العروس : ج ۱۴ ص ۱۸۶ «حول») .

3.أقناه اللَّه : أعطاه (مجمع البحرين : ج ۳ ص ۱۵۱۸ «قنا») .

4.ابتدرهُ : عاجَلَهُ (القاموس المحيط : ج ۱ ص ۳۶۹ «بدر») .

5.تأنّى في الأمر : أي ترفّق وتنظّر (الصحاح : ج ۶ ص ۲۲۷۳ «أنا») .

6.لم يجشّمنا إلّا يُسراً : أي لم يكلّفنا إلّا يسراً ، من التجشّم ؛ وهو التكلّف على مشقّة (مجمع البحرين : ج ۱ ص ۲۹۵ «جشم») .


کنز الدعاء المجلد الاول
114

الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى) 1 عَدلاً مِنهُ تَقَدَّسَت أسماؤُهُ وتَظاهَرَت آلاؤُهُ (لَا يُسَْلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسَْلُونَ ) 2 .
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ الَّذي لَو حَبَسَ عَن عِبادِهِ مَعرِفَةَ حَمدِهِ عَلى‏ ما أبلاهُم مِن مِنَنِهِ المُتَتابِعَةِ ، وأَسبَغَ عَليهِم مِن نِعَمِهِ المُتَظاهِرَةِ ؛ لَتَصَرَّفوا في مِنَنِهِ فَلَم يَحمَدوهُ ، وتَوَسَّعوا في رِزقِهِ فَلَم يَشكُروهُ ، ولَو كَانوا كَذلِكَ لَخَرَجوا مِن حُدودِ الإِنسانِيَّةِ إلى‏ حَدِّ البَهيمِيَّةِ 3 ، فَكانوا كَما وَصَفَ في مُحكَمِ كِتابِهِ : (إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَمِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً) 4 .
وَالحَمدُ للَّهِ‏ِ عَلى‏ ما عَرَّفَنا مِن نَفسِهِ ، وأَلهَمَنا مِن شُكرِهِ ، وفَتَحَ لَنا مِن أبوابِ العِلمِ بِرُبوبِيَّتِهِ ، ودَلَّنا عَلَيهِ مِنَ الإِخلاصِ لَهُ في تَوحيدِهِ ، وجَنَّبَنا مِنَ الإِلحادِ وَالشَّكِّ في أمرِهِ ، حَمداً نُعَمَّرُ بِهِ فيمَن حَمِدَهُ مِن خَلقِهِ ، ونَسبِقُ بِهِ مَن سَبَقَ إلى‏ رِضاهُ وعَفوِهِ ، حَمداً يُضي‏ءُ لَنا بِهِ ظُلُماتِ البَرزَخِ 5 ، ويُسَهِّلُ عَلَينا بِهِ سَبيلَ المَبعَثِ ، ويُشَرِّفُ بِهِ مَنازِلَنا عِندَ مَواقِفِ الأَشهادِ ، يَومَ تُجزى‏ كُلُّ نَفسٍ بِما كَسَبَت وهُم لا يُظلَمون 6 ، (يَوْمَ لَا يُغْنِى مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيًْا وَ لَا هُمْ يُنصَرُونَ) 7 .
حَمداً يَرتَفِعُ مِنّا إلى‏ أعلى‏ عِلِّيّينَ ، في كِتابٍ مَرقومٍ يَشهَدُهُ المُقَرَّبونَ .
حَمداً تَقَرُّ بِهِ عُيونُنا إذا بَرِقَتِ الأَبصارُ ، وتَبيَضُّ بِهِ وُجوهُنا إذَا اسوَدَّتِ الأَبشارُ .
حَمداً نُعتَقُ بِهِ مِن أليمِ نارِ اللَّهِ إلى‏ كَريمِ جِوارِ اللَّهِ .

1.النجم : ۳۱ .

2.الأنبياء : ۲۳ .

3.في نسخة قديمة : «ولدخلوا في حريم البهيميّة» ، وهو قريب من معنى الحدّ ، فإنّ حريم الدار ما حولها من حقوقها ومرافقها ، سمّي بذلك لأنّه يحرم غير مالكها أن يستبدّ بالارتفاق به (رياض السالكين : ج ۱ ص ۳۰۸) .

4.الفرقان : ۴۴ .

5.البَرْزَخُ : ما بين الموت إلى القيامة (مفردات ألفاظ القرآن : ص ۱۱۸ «برزخ») .

6.إشارة إلى الآية ۲۲ من سورة الجاثية .

7.الدخان : ۴۱ .

  • نام منبع :
    کنز الدعاء المجلد الاول
تعداد بازدید : 77014
صفحه از 579
پرینت  ارسال به